تحول موقف الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إزاء خطته المثيرة للجدل حول التهجير وتحويل القطاع إلى بقعة استثمارية من موقف القوة والإلزام إلى الانسحاب الواضح والاكتفاء بالتوصيات بعد تصريحاته الأخيرة مع شبكة فوكس نيوز .
ترامب الذي يبرع في سرقة الأضواء ، وصناعة اللقطة والمشحون دوماً بالكاريزما أمام الرأي العام الأمريكي ، حيث يمثل بصحته القوية وهمته العالية ونشاطه غير المألوف - على أقل تقدير مقارنة مع سابقه بايدن - النموذج المثالي المعبر عن تطلعات أمريكا كدولة عظمى تؤكد في كل وقت على قوتها في المسرح الدولي بلغة القوة أولاً .
وبوقت ليس ببعيد أحدث هذا الرجل المثير للجدل بصراحته المطلقة ومزاجه الصعب أزمة بعد لقاء جلالة الملك عبد الثاني بن الحسين به ، حيث اشتعل موسم الشائعات والعناوين ، عن أبعاد خطة ترامب ، إلا أن موقف الملك كان واضحاً بالرفض إزاء هذه الخطة التفريغية للشعب الفلسطيني من القطاع ، ولم يكتفي الملك الدبلوماسي بذلك بل جدد أمام الرأي العام العالمي على أنه هذه القضية تمس العرب وأن للدولة المصرية - ذات العلاقة - كلمتها أيضاً .
موقف الأردن السباق بالرفض للتهجير والتوطين لا يختزل بلقاء الملك مع ترامب وحسب ، بل سبقه تأكيدات متكررة لمواقف ولقاءات الملك من جهة ، وأيضا لتأكيدات أخرى من قبل وزير الخارحية الأردني الصفدي الذي صرح بأن موقف الأردن من أي محاولة للتهجير هو بمثابة إعلان حرب .
عقب اللقاء الأردني الأمريكي ، ردت مصر الرسمية على مقترح ترامب بالرفض أيضاً وبما معناه التهجير سيمثل صدام حقيقي مع الدولة المصرية الأمر الذي سيؤدي إلى حرب ومن غير المنطق العبث بمكتسبات السلام التي حققها الإقليم بعد اتفاقيات السلام.
وأما السعودية فقد ردت هي الأخرى بالرفض ليكتمل نصاب الرفض العربي.
ومن زاوية الموقف الغربي ، تفجر عن خطة ترامب موجة غضب عالمية وغربية ، فقد تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون عن استنكاره لخطة ترامب والتي اعتبرها تصريحات غير مسؤولة ، على غير العادة من فرنسا ، إلا أن ذلك يعزى إلى استحالة تطبيق هذه الخطة التي تضم ما يقارب المليوني مواطن فلسطيني في القطاع ، وقامت جارتها الإيطالية بالحديث عن شريعة الغاب وانتهاء القانون الدولي أمام تصريحات ترامب غير المسؤولة كذلك الأمر.
أما بريطانيا فقد سارعت بالتنصل من خطة ترامب وطالبت بحل الدولتين ، وفيما يخص ألمانيا قامت وزيرة خارجيتها بالتصريح عن رفض دولتها للتهجير وهاجمت ترامب معتبرة أنه يثير موجة كراهية اتجاه الجميع ، أما رئيس وزراء اسبانيا فقد أكد رفض بلاده للخطة وأضاف أن اسبانيا تعترف بدولة فلسطين والقطاع جزء لا يتجزأ من أراضيها .
وفي أمريكا اللاتينية خرج الرئيس البرازيلي في تصريحات نارية ومطولة رفض فيها خطة ترامب وحديثه غير المنطقي وخطته غير الصالحة للتنفيذ .
أما كندا والدنمارك فقد استغلت كل واحدة تصريحات ترامب الذي طالب بالاستيلاء على جزيرة جرينلاند الدنماركية أما كندا العملاقة فقط طالب واقترح تحويلها لولاية أمريكية وعليه فقد استغلت الدولتان هذه الأفكار المجنونة والخطة الغريبة والسقطة الكبيرة لتدافع عن سيادتيهما أيضا.
جميع هذه الدول ( من العالم الغربي ) وغيرها من الدول التي صرحت برفضها لخطة ترامب ، تخشى من الفوضى أولاً ومن المساس بمصالحها الإقليمية في الشرق الأوسط حيث الكثير من المليارات القادمة من البترول والملاحة وغيرها ، مع تخوفات أخرى من الاصطدام غير المعلوم النتائج مع الحلفاء وتعارض المصالح.
وبالعودة للعالم العربي فقد تسيد الأردن وتصدر موقف الرفض الذي انطلق من جلالة الملك ، حيث يعد أول رئيس عربي يلتقي بإدارة ترامب بعد فوزه بولايته الثانية ، ليتبع ذلك سلسلة من الرفض العربي الذي يحفظ حق الشعب الفلسطيني على أرضه ، وبأن الحرب ستكون مقابل التهجير ، الأمر الذي أدى إلى تراجع ترامب عن خطته والتحفظ عليها بدرجة أقل من الرسمية عندما صرح بأنه يقترح الخطة ( كتوصيات )
وكما أفشل الأردن صفقة القرن أولاً ، ولن ننسى المجهود العربي ، فها هو يُفشل هذه المرة خطة التهجير ، وبدبلوماسية الملك التي أعطت العرب الضوء الأخضر على طاولة ترامب ، للتعبير عن موقفهم كقوة موحدة رافضة لهذه الخطة ، فقد تمكن الملك أن يجمع العرب على موقف الرفض بحنكته السياسية.
ومن المهم أن نذكر بأنه وفقاً لشخصية ترامب لا يمكن أن تكون هذه الفكرة المجنونة هي الوحيدة ، بل سيظل يتصدر عناوين الأخبار ، ويترنح بالتصريحات ميمنة وميسرة ، الأمر الذي سيبقيه كرئيس لدولة عظمى من جهة ، وكشخصية مثيرة للجدل كحصة إضافية من جهة أخرى ؛ صاحب النصيب الأكبر كمادة دسمة على مائدة الإعلام الدولي على مدار الأربع سنوات الجديدة.
فداء المرايات