وبحجم الضغوط الاقتصادية ، والحرب الإعلامية ، ومحاولات المقايضة بالقرار السياسي مقابل ايقاف الدعم والمساعدات وغيرها من التحديات أمام الدولة المصرية ، إلا أن مصر الدولة العميقة تتعالى على كل هذه المؤامرات.
مصر التي تحمل خصوصية تاريخية أولاً ، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي ينسب إليها علم يدرس في الجامعات تحت اسم علم المصريات ، بإرثها الضارب في جذور التاريخ ، جعل منها الدولة العربية الأكثر طمعاً في عيون كل أجندات اللعبة السياسية ، ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فخصوصيتها السياسية تكمل خصوصيتها التاريخية وتجعل منها في ترقب دائم واستنكار لكل تطور بل وتحت المجهر على مرأى قوى الظلام في المنطقة.
ولأن الدولة المصرية تحاول اليوم النهوض من تحديات اقتصادية صعبة ، عبر انخفاض مستمر لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار ، حيث أنها تحاول العمل على اصلاحات هيكيلة في اقتصادها بصورة متواصلة من خلال استقطاب استثمارات أجنبية وبناء مشاريع حيوية لرأب الصدع الحاصل بانخفاض قيمة العملة ، على الجانب الآخر يمثل هذا التحدي فرصة ماسية للولايات المتحدة للضغط على الدولة المصرية لقبولها بخطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء ( أرض الفيروز ) مقابل ورقة المساعدات ، الأمر الذي رفضته مصر جملة وتفصيلاً ، مع التلويح بانتهاء العمل بمعاهدة السلام واعلان الحرب.
وتتميز الدولة المصرية بامتلاكها أدوات استثنائية في لعبة السياسة ، حيث موقعها الجغرافي ، والملاحة في قناة السويس ، والموارد البشرية العالية ، وشعبها المتميز بصورة منفردة بلحمته الوطنية وتناغمه مع مصالح الدولة ، وجاهزية الجيش المصري الذي يصنف الأول عربياً والتاسع عشر عالمياً ولعبها دور رئيسي على المسرح السياسي العربي المعاصر.
وأما من الجانب الدبلوماسي فهي تمتلك القدرة على الخروج بقرار سياسي يعكس خبرتها الممتدة كدولة جاثمة على صدر التاريخ منذ آلاف السنين ، وجميع هذه الأدوات تجعل من القرار المصري فرصة للهدوء والتأمل من قبل الغرب كدولة تُدرس تفاعلاتها سياسياً كما يُدرس تاريخها أيضاً.
برغم الضغوط الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الدولة المصرية ، لم تتردد بتحشيد ترسانتها العسكرية في أرض سيناء وأمام المعبر ، بعد محاولات وتصريحات متكررة تبناها الكيان عن نقل الغزيين إلى سيناء المصرية ، من جانب آخر عملت الدولة المصرية بعقلها السياسي المدبر على العمل بالتوازي مع الجاهزية العسكرية على تحشيد آلياتها الثقيلة والبيوت الجاهزة ( الكرفانات ) أمام المعبر ، وبزخم إعلامي هائل يصور المشهد بدءاً من قنوات وزاراتها الرسمية ، وباحتضان الموقف والتقاطه من قبل كبار مفكريها ومؤثريها الذين عملوا بصورة متناغمة في بث الموقف الشعبي المصري المساند للموقف الرسمي للدولة ، لتفرض الدولة المصرية بكل أدواتها ( سياسة الأمر الواقع ) على الكيان والدول الداعمة لمخططاته والمتأتي عن هذه المخططات كل أشكال الظلم والانتقاص من حقوق الشعب الفلسطيني .
حيث أرسلت مصر رسالتها الدبلوماسية الرافضة للتهجير ، وعدم العبث بمكتسبات السلام ، والتي تحققت منذ عقود على يد الرئيس المصري الراحل السادات ( رجل الحرب والسلام ) ، وكما وأرسلت رسالتها العسكرية بالاستعداد والجاهزية للرد في أي لحظة ، وبعد اكتمال الموقف المصري الداخلي نحو سيادتها ، تقدمت للتدخل بالقطاع كصانعة ومنفذة لخطة الإعمار بادخال آلياتها الثقيلة ( والكرفانات ) ، والأمر الذي سيمتد في الأسابيع القادمة لإشرافها على إدارة القطاع وتنظيمه وتفويت الفرصة ( عملياً ) من أي مؤامرة للتهجير.
هذه السياسة الخارجية المصرية تفرض على المعني والمتلقي لقراراتها وتحركاتها ؛ أن يختار ما يشاء ، بعد فرض قوتها الدبلوماسية والعسكرية واللوجستية في صورة منقطعة النظير ، تجعل من الخصم - أنى يكون - في حالة من التشتت والخوف السابق واللاحق من التفكير والاقتراب والعبث على كافة الأصعدة مع الدولة المصرية.
تظل سياسة الأمر الواقع والقرار المتكامل هي من أهم السياسات وأشكال القرار لدى الدولة المصرية الأمر الذي يجدد أهميتها عربياً واقليمياً ، ويتطلب ذلك العمل على دعمها عربياً ورفع مناعتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لتظل كالصخرة التي تتكسر عليها جميع المؤامرات.
فداء المرايات