مع قرب حلول شهر رمضان المبارك يرتفع منسوب القلق الأردني، من تصعيد التوتر في القدس، وما يترتب على ذلك من خطوات استفزازية من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، تدفع متعمدة لمواجهات عادة ما يوظفها اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو لفرض وقائع جديدة على الأرض، يجري تبييتها كمكاسب دائمة، على حساب الوضع القائم المتفق عليه في القدس، والحرم القدسي الشريف.
يبذل الأردن جهودا مكثفة لاحتواء التصعيد مبكرا، ويضغط من خلال القنوات الدبلوماسية المتاحة لإجبار إسرائيل على الالتزام بالتهدئة، واحترام حق الفلسطينيين في تأدية صلواتهم في المسجد الأقصى دون تضييق، أو اعتداءات. وفي ذات الوقت يأمل الأردن ألا تمنح بعض الأطراف في القدس ذريعة للمجموعات الصهيونية المتطرفة، لتأزيم الموقف، وتنفيذ مخططاتها في تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي.
ليس بعيدا عن احتمالات التصعيد في القدس المحتلة، تشن إسرائيل حربا واسعة على المخيمات شمالي الضفة الغربية، فقد دفعت عملياتها العسكرية في مخيمات طولكرم وجنين إلى تهجير نحو 40 ألف فلسطيني في المخيمات. نتنياهو وكبار وزراء حكومته المسعورون، أعلنوا دون تردد أنهم بصدد ترتيب إقامة طويلة الأمد في المخيمات الفارغة من السكان، ولا نية لديهم بالسماح لسكانها بالعودة إليها في وقت قريب.
وهذا التطور الخطير مبعث قلق إضافي للأردن وينبغي أن يكون كذلك للسلطة الفلسطينية.
إسرائيل تفكر جديا في المرحلة الحالية بإعلان ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة، كخطوة أولى على طريق ضم مناطق "ج" من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
لا تنوي إسرائيل ابتلاع هذه المناطق دفعة واحدة، ولكن البداية تكون بالمستوطنات الكبرى، ثم في مرحلة لاحقة منطقة غور الأردن ومناطق شمال الضفة الغربية.
الضم التدريجي، يجنب حكومة الاحتلال ردود فعل رافضة من المجتمع الدولي، خاصة وأن مجتمع اليمين الإسرائيلي ذاته منقسم حيال حدود الضم في هذه المرحلة. ما هو محل توافق يميني كامل حاليا ومدعوم أميركيا، ضم الكتل الاستيطانية التي يسكنها قرابة ثلثي المستوطنين في الضفة الغربية.
سيدفع الأردن بقوة لمنع هذه الخطوات، وهو يتحرك على مختلف المستويات لوقف خطط إسرائيل الرامية لقتل حل الدولتين. لكن وعلى المستوى الإستراتيجي يسعى لإحباط جهود إسرائيل في فرض التهجير القسري، إلى حدوده.
حتى الآن لا يبدو أن إسرائيل تخطط لمثل هذا السيناريو، لا الموقف الدولي يسمح لها بذلك، ولا الشعب الفلسطيني مستعد للرضوخ لهكذا خيار. غزة قدمت نموذجا حيا على رفض الفلسطينيين للتهجير. وفي كل الأحوال يؤكد الأردن أنه مستعد لأسوأ السيناريوهات، وسيتعامل مع محاولات التهجير نحو أراضيه على أنه إعلان حرب يستدعي ردا شاملا.
إسرائيل تعلم حقيقة الموقف الأردني وكذلك الولايات المتحدة، وهناك دعم عربي واسع لهذا الموقف، وتنسيق أردني مصري رفيع المستوى لمواجهة سيناريو التهجير على الجبهتين.
حكومة إسرائيل في هذه المرحلة أصبحت منفلتة من عقالها؛احتلت أراضي سورية، ولبنانية، وتقاتل في الضفة الغربية، وقد تعود للقتال في مرحلة قريبة بغزة. ترتكب كل هذه الاعتداءات وتدفع في ذات الوقت لمواجهة عسكرية مع إيران، لم تعد وفق مطلعين خيارا بعيدا.
حكومة الاحتلال تعيش نشوة الانتصارات بعد ما حققته من نتائج في حربها المفتوحة، وبدون كوابح دولية وعربية جادة لن يوقفها أحد عن ارتكاب المزيد من الاعتداءات، ومواصلة العمل على تغيير الشرق الأوسط وخرائطه.