من اللطائف القرآنية "عبس وتولى أن جاءه الأعمى" جاء النهي عن العبوس في وجه الأعمى وهو لا يرى فكيف بمن يرى ! راعى الله مشاعر أعمى، لا يعلم بتعابير الوجه؛ فكيف بمن يبصر ويتألم !! فـ "رفقا بمن حولكم".
إن هذه القصة برمتها درس في احترام مشاعر الإنسانية، عاتب الله نبيه على لمحة عبوس ظهرت على قسمات وجهه ، فانظر إلى أي مدى أولى الإسلام مراعاة المشاعر؟! فلا تعبس حتى في وجه من لا يراك !!.. لتوطن نفسك على السماحة، وحسن العشرة والخلق.
رفقا بمن حولكم فلا يعلم بحالهم إلا خالقهم ، نحن بشر فضلنا الله عن سائر المخلوقات، فمن يستطيع ان يحطمنا .. " رفقاً بمن تحبون " كل شخص لديه قصة حزن بداخله .. عانى .. بكى.. قدم تضحيات.. شخص غريب بين أهله وعشيرته.. شخص يقرا المكتوب ليجد نفسه في بعض السطور..
تبسموا فإن لديكم دين جميل جعل الابتسامة في وجه غيرك صدقة.. هل ثمة متعة أكثر من أن تدخل السعادة، والحب، والرضى في قلوب الناس، أن تخفف عن كواهلهم.. آلامهم وأحزانهم، وأن تأخذ بقلوبهم المنكسرة إلى السكينة والطمأنينة، أن تشعرهم أن هناك من يهتم بِهم، يحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، حينها ستشعر بمتعة ولذة لا تدانيها أي متعة. قد لا يتطلب الأمر منك سوى ابتسامة في وجه بائس، أو وردة في يدي عاشق منكسر الفؤاد، أو قبلة تطبعها على وجه طفل فقد شيء يحبه .. أشياء بسيطة بيد أنها تضفي على النفس مزيداً من السعادة الروحية؛ أن تكون سبباً في سعادة إنسان في لحظة انكساره.
ما نحن في حقيقة الأمر إلا كتلة من المشاعر والأحاسيس تجعل منا بشراً، نشعر بما يدور حولنا، ونتأثر بما يوجع أعيُننا، وأرواحنا، بدون هذه المشاعر نصل إلى مستوى "الجمادات"! فإذا مررت أمام طفل يبكي فلا تغادره دون أن تضحكه، وإذا رأيت عصفور مهيض الجناح لا تحاول الإمساك به؛ فيكفيه هماً أنه على وشك فقدان غريزة التحليق بجناحيه، وعندما ترى وردة على وشك الأفول، وذوبان وهجها، اسقها لتحيا، فقد تكون نصيب شخص مكسور القلب فنظر إليها فأعادت له بريق أمل..
الرحمة .. كن رحيماً مع الحزانى أصحاب الأرواح المتعبة، والأجساد المنهكة، والوجوه البائسة، والعيون الشاردة، والأفئدة المظلمة، والأجنحة الكسيرة، الذين لا يلتفت إليهم إلا القليل، لا تكسر قلب إنسانٍ مقهور، أو محزون، أو فقيراً معدماً، تقضي عليه بكلمة جارحة، أو نظرة وضيعة، أو استخفاف به.. يقول الدكتور مصطفى محمود في كتاب "عصر القرود": "الرحمة أعمق من الحب وأصفى وأطهر، والرحمة عاطفة إنسانية راقية مركبة، ففيها الحب، وفيها التضحية، وفيها إنكار الذات، وفيها التسامح، وفيها العطف، وفيها العفو، وفيها الكرم.. وكلنا قادرون على الحب بحكم الجبلة البشرية وقليل منا هم القادرون على الرحمة".
ربما عندما كنت طفلاً صغيراً؛ وصفعك أحدهم على وجهك، إلى الآن لم تنسى هذه الصفعة وتنظر دائماً في المرآة لترى هل لها أثر، فكيف بمن صفعتهم الحياة مراراً؛ هل ستكون أنتَ والحياة عليهم. لذلك كن دائماً القدر الذي انتشل روحاً بائسة كانت على وشك السقوط. جاء في قصة يوسف ( إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِين) كان إحسانه إذا مرض رجل بالسجن قام عليه، وإذا ضاق عليه المكان وسع له، وإذا احتاج إلى جمع مال سأل له.
لا تعش في هذه الحياة على حافة الطريق، وتكون رقماً بلا قيمة، حاول أن تصنع من نفِسك إنساناً مثمراً؛ وأن تقدم شيئاً حتى لو كان بنظرك غير ذي قيمة، المهم ألا تقف متفرجًا في مسرح الحياة، تأتي وتغادر دون أن يشعر بكَ أحد، وإن كان أقلها أن تكون مبتسمًا حتى تُعطي الأمل والبهجة لمن يراك. تبسموا فإن لديكم دين جميل جعل الابتسامة في وجه غيرك صدقة.