قائمة العروض، (التهديدات أحياناً)، التي ستطرحها واشنطن وتل أبيب، خلال المرحلة القادمة، لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب خرائط النفوذ وتوزيع الأدوار، على إيقاع ما حدث بعد 7 أكتوبر، ستكون مزدحمة بالسيناريوهات، ومفخخة بالألغام، نحن -أقصد العرب - أمام «وعد ترامب « جديد، وهو أشبه ما يكون بوعد بلفور.
وعليه، معظم التطمينات والوعود التي تصلنا يجب ان ندرجها كافتراضات واحتمالات، تخضع للخطأ والصواب، لا مجال للثقة وتقدير «حسن النوايا»، أو انتظار «مساعدة صديق « بالمجان، يجب أن نعتمد على انفسنا، ونضبط ساعتنا الوطنية على تواقيت سياسية مدروسة، ونضع خياراتنا واضطراراتنا على ميزان دقيق، حيث العنوان مصالح الأردن العليا فقط.
لا يتسع المجال للتفاصيل، خذ مثلا العرض الذي قدمه زعيم المعارضة في إسرائيل (يائير لبيد ) حول تولي مصر إدارة قطاع غزة لمدة ثماني سنوات (أو 15 عاما )، مقابل سداد ديون مصر الخارجية، خذ، أيضا، عروض التهجير ونقل السكان التي تتوارد تباعا، ثم حركة الأموال التي تتدفق، ونزوح السكان من مخيمات الضفة، ستكتشف أن «بروفة « غزة انتقلت فعلا إلى الضفة الفلسطينية، وأن العرض الذي قدم لمصر يمكن، لاحقا، أن يقدم للأردن.
خلال نحو عام ونصف استخدم الأردن ما لديه من أوراق سياسية لوقف الحرب على غزة، ربما استباقا لما سيحدث في الضفة، الآن أصبحت الضفة هي الهدف الأساس بالنسبة لإسرائيل، تصريف أزمة السكان والجغرافيا الإسرائيلية سيصدم، على الأرجح، بمصالح الدولة الأردنية، أمامنا ثلاث سيناريوهات متوقعة: التهجير، سواء أكان قسرياً أو طوعياً، إدارة ما تبقى من اراضي الفلسطينيين بالضفة، وفق وصفة الكونفدرالية أو غيرها، النقاش على وضع القدس والمقدسات، كل هذه السيناريوهات تم رفضها، من قبل الملك، بلاءات أردنية حازمة، ولم تعد مطروحة للنقاش.
صحيح، ما زال الأردن يتمسك بحل الدولتين، ويعتبر السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين، ما زال، أيضا، يربط أي حل للقضية الفلسطينية بالتوافق العربي الذي يرتكز على القرار الفلسطيني، لكن ما جرى من تحولات، خاصة مع إدارة ترامب، وضع الجميع أمام مستجدات واستحقاقات جديدة وغير مسبوقة، لا يستطيع الأردن أن يقدم بدائل بمعزل عن محيطه العربي، ولا يستطيع أن يتحمل كلفة أي بديل يتعارض مع الحفاظ على مصالحه وهويته واستقراره.
المعادلات، هنا، قد تبدو صعبة ومعقدة، لكن التعامل معها بمنطق الحزم، أحيانا، والاستثمار بالوقت، وربما ما يلزم من تنازلات محسوبة أحيانا أخرى، يحتاج إلى إدارة سياسية شجاعة وحكيمة، وهذا ما أتوقعه، الأردن لن يقبل الإملاءات، كما أنه لن يغامر بمصالحه، وبالتالي الدبلوماسية الأردنية ستسير بين هذين الحدين (الشعرتين: أدق )خلال المرحلة القادمة.
هل لدينا تصورات محددة حول العروض المطروحة والاستحقاقات القادمة وما يلزمها من أثمان سياسية؟ وفق تقديري، نعم. هل تلقينا ضمانات من أطراف مهمة، دولية وإقليمية، لتبني ما نطرحه من حلول ومبادرات تساعد بإعادة المنطقة لما قبل 7 أكتوبر، ثم الاستدارة لتسويات شاملة في المنطقة تصب في مصلحة الجميع ؟ ربما.
هل نحن مطمئنون إلى هذه الضمانات والوعود؟ لا أدري. هل لدينا اطلاع على صفقات تجري من تحت الطاولة حول «ما بعد غزة «، وما بعد تمرير «يهودا والسامرة» ووضع اليد على جنوب لبنان، وأجزاء من جنوب سوريا، وتكريس احتلال الجولان.. الخ؟ أعتقد ذلك. ما اعرفه تماما أن الدولة الأردنية تملك ما يلزم من أوراق قوة، وقد أصبحت بكامل جهوزيتها لمواجهة المرحلة القادمة، وستخرج منها بأقل ما يمكن من خسائر.