في حادثة صادمة هزّت الرأي العام في الرصيفة تعرّض طفل للحرق بعد أن أقدم زملاؤه على سكب مادة الكاز على جسده وإشعال النار فيه مشهد مرعب يعكس وحشية لا يمكن تبريرها، لكن وسط كل الجدل والغضب يبقى السؤال الأهم كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ لماذا أصبح العنف بهذا الشكل جزءًا من سلوكيات الأطفال؟ وأين دور الأسرة والمدرسة في هذه المأساة؟
ما حدث ليس مجرد "جريمة" فردية، بل هو نتيجة مباشرة لإهمال التربية، لغياب الرقابة ولانهيار المنظومة الأخلاقية داخل البيوت والمدارس طفل صغير لم يرتكب ذنبًا سوى أنه وُجد في بيئة تعاني من تفكك تربوي وأخلاقي، حيث أصبح العنف وسيلة لإثبات الذات والتنمر لعبة مسلية والرحمة كلمة فقدت معناها في قاموس الأطفال.
في مجتمعاتنا اليوم كم أب وأم يجلسون مع أبنائهم يوميًا يتحدثون معهم يفهمون مشاعرهم يوجهونهم نحو السلوك الصحيح ويعلمونهم مخاطر التنمر والاستعلاء وإيذاء الآخرين؟ الإجابة مؤسفة كثير من الآباء أصبحوا منشغلين مرهقين غارقين في ضغوط الحياة فيما أبناؤهم ينشؤون في عزلة نفسية تملؤها المؤثرات السلبية القادمة من الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي التربية لم تعد أولوية، بل أصبحت مسؤولية مؤجلة يدفع ثمنها المجتمع بأسره.
أما المدرسة، فهي الحلقة الأخرى في هذه الكارثة. أين كان المعلمون حين بدأ هذا التنمر؟ أين كان المشرفون حين تفاقم العنف حتى تحوّل إلى جريمة بشعة؟ كيف يُسمح لمجموعة من الطلاب بالتخطيط لحرق زميلهم دون أن يلاحظ أحد؟ الحقيقة أن كثيرًا من المدارس فقدت دورها التربوي، ولم تعد تهتم إلا بالتحصيل الأكاديمي، متجاهلة مسؤوليتها الأخلاقية في تشكيل وعي الطلاب وسلوكياتهم.
حادثة الرصيفة ليست مجرد قصة تُروى، بل هي تحذير صارخ بأن المجتمع يسير في طريق خطير اليوم، هذا الطفل ضحية، لكن غدًا، قد يكون ابن أي شخص آخر إذا لم يتم إعادة الاعتبار للتربية داخل البيوت، وإذا لم تستعد المدارس دورها في غرس القيم قبل تلقين الدروس، سنجد أنفسنا أمام المزيد من هذه الجرائم التي تهدد مستقبل أجيال بأكملها.
الجروح الجسدية قد تلتئم لكن جرح الروح الذي خلفته هذه الجريمة في نفس هذا الطفل لن يشفى أبدًا وهذا هو الثمن الحقيقي لإهمال التربية.