شاهدنا الكثير من الفنانين المبدعين يخرجون في مسرحياتهم وأعمالهم السينمائية عن النص ويكون الخروج في الغالب محبباً للمشاهد، وفيه منع للتكرار ، وقد يكون بالاتفاق مع المنتج ومع المخرج والمُؤلِف ،فعلى كاتب العمل أن يوظف التشويق في العمل الفني ويحق له أن يستغل ذلك النجاح ليعطي انطباعاً جميلاً وقد يكون الخروج عن النص ارتجالياً دون تخطيط. وقد أبدع كل من عادل إمام وأحمد بدير ويونس شلبي وموسى حجازين وغيرهم الكثير الكثير من الممثلين في ذلك وتقبلها المشاهد وبكل عفوية.
ولكن أن يخرج رجل سياسة ورئيس دولة عن النص المرسوم له ويعود إلى التمثيل مجددًا، فهذا يحتاج إلى تفكير وتمعن..
إذا دخلت على محركات البحث وسألت ماذا كان يعمل زيلينسكي قبل أن يصبح رئيساً، سيكون الجواب هو ممثل وكوميدي. نشأ في كريفي ريه وسط أوكرانيا ووالداه يهوديان، وهي منطقة ناطقة بالروسية للعلم!! ، وعلى الرغم من أنه حصل على رخصة لممارسة مهنة المحاماة، إلا أنه سلك طريق التمثيل وبدأ مسيرته الفنية في شبابه، إذ شارك بشكل منتظم في برنامج كوميدي تنافسي، كان يُبث عبر التلفزيون الروسي، ثم شارك في تأسيس شركة إنتاج تلفزيوني باسم «كفارتال 95» عام 2003، وأصبحت واحدة من أكثر «استديوهات» الترفيه نجاحًا في أوكرانيا ، وكانت الانطلاقة الاقوى له والتي ساقته الى عالم السياسة عندما أفرج عن الحلقة الأولى من مسلسل «خادم الشعب» عام 2015، ولعب بطولته في دور «فاسيلي غولوبورودكو»، مدرس التاريخ الذي صار رئيسًا للبلاد مصادفة، وشرع يحارب الفساد بقوّة ويصنع دولة من العدم ..
في علم السياسة ودبلوماسيتها والعلاقات بين الدول هنالك قسم مهتم معني بالترتيب لأي لقاء رسمي بين الرئيس يدعى القسم البروتوكولي له مهام واضحة أهمها ترتيب وتنظيم وإعداد برنامج الزيارة.
فلا يتم أي لقاء من فراغ دون ترتيب، وخصوصاً لقاء يكون فيه رئيس الدولة، فما بالك إن كان الطرف الآخر هو رئيس الولايات المتحدة، فلا بد أن يتم الإعداد له والاتفاق بشكل دقيق على مجمل البنود والأمور التي سيتم الحديث عنها خلال الاجتماع ويكون ذلك بالغالب بعيدا عن الصحافة والإعلام ..
ولكن لمن شاهد لقاء ترمب وزيلينسكي كان مغايراً، وفيه خروج عن النص بشكل لافت، فأحرج الطرفين: المخرج والمؤلف والكتاب وحتى الجمهور.
هل يعقل أن يحدث كل هذا الكلام ويُنشر، وان يستمر النقاش الحاد والصراخ والتلاسن أمام عدسات الكاميرات هكذا، وأن لا يلتفت أحد إلى وقف التصوير على الأقل، وإن كان لا بد من إكمال المشهد (الهوشة)؟ فلتكن بعيدا عن الجمهور مثلا !!
أم أن الأمر تطور دون ترتيب فربك الجميع، وهو ما قاد زيلينسكي إلى الرد بالند على كلمات ترمب ونائبه، أم أن هناك ما» بين هذا وذلك كلام يحتاج الى شرح وتفصيل ؟؟ وعلى المخرج ان يطلعنا عليه في الحلقة القادمة في اللقاء القادم،
كلنا يعلم أن زيلينسكي مدعوم من اللوبي الصهيوني المسيطر على مطبخ القرار في واشنطن وأن الدعم الأمريكي لأوكرانيا قد يكون الأكبر بعد دعمها للكيان وهو لم يأت من فراغ لا يتبدل مع تبدل الرئيس.
ومن هنا وهذه قناعتي وهي تحتمل الخطأ والصواب ما تم لا يبتعد عن الرجوع الى فزاعة روسيا ولكن بموال جديد وسيناريو أجمل وستبقى ولكي تنمو هذه الفزاعة لا بد من تطوير المشهد لإخافة أوروبا وتخويفها بالخطر الروسي الدائم ، وطبعا الطريق الجديد لن يمر إلا عبر كييف، وبقناعتي كذلك أن زيلينسكي أتقن الدور المناط به أمام عدسات الكاميرات حتى ولو كان به خروج بسيط عن النص وهذا ما كان ليحدث لولا قبول المخرج...
المهندس مدحت الخطيب