زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين ـ لا يمكن رسم سيناريو «رد الفعل» أو «الخطوة التالية» للفعل إذا ما بدأت آليات الجيش الإسرائيلي بحفر خندقها الحدودي الجديد لتدشين إنشاء الجدار العازل المزعوم. لا أحد عملياً من الملاحظين والراصدين وحتى المحذرين من بدء التحرش الإسرائيلي بالمصالح الحيوية والأساسية يملك رواية يمكن ترسيمها لتوقع الخطوة التالية، خصوصاً في ظل إدارة أمريكية جديدة واضح تماماً أنها غير معنية لا بالأردن ولا بالصداقة معه، ولا حتى برؤية حل الدولتين التي اقترحتها القمة العربية.
الأوضح – وهذا ما يلاحظه ويقوله الباحث السياسي الدكتور أنور الخفش- أن حيز وتأثير فكرة وجود أصدقاء للأردن في عمق المؤسسات الأمريكية أقرب إلى الوهم بعد موجة من المزاعم التي حاولت تخدير مخاوف الرأي العام المحلي موضعياً عبر الإشارة إلى أصدقاء عميقين في الكونغرس الأمريكي وفي وزارة الدفاع لا يمكنهم خذلان الأردن والعبث بمصالحه.
تلك مقولة ـ في رأي الخفش ـ سقطت مع وقائع الحال، فالرئيس الأمريكي الجديد يبدو كالقطار الذي يسير في اتجاهات غير متوقعة، والضعفاء فقط هم الذين يقترحون الترقب والانتظار على رصيف لالتقاط فتات ما يمكن أن يقدمه أصدقاء في الكونغرس أو بين الجنرالات لدول عربية صديقة أو حليفة. المطلوب أردنياً وبإلحاح هو إسقاط تلك الاعتبارات المرتبطة بوجود أصدقاء للأردن يتكفلون بألا تدعم الرؤية التي يعتمدها اليمين الإسرائيلي في تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، فيما ينصح المحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح مجدداً الأردن وبقية الدول العربية بالحذر والانتباه للتغيير الدراماتيكي الذي يجري في واشنطن.
في تقدير شقديح، تمكن ترامب وطاقمه من الإجهاز على تلك الأطقم البيروقراطية العريقة في المجتمع الدبلوماسي الأمريكي ووزارة الخارجية والكفاءات التي كانت تنتمي لحسابات الماضي في وزارة مثل البنتاغون تقلصت وتراجعت لصالح منطوق الولاء للرئيس وشبكته فقط.
تلك تغييرات بنيوية حادة لا مكان فيها لأصدقاء قدامى مثل الأردن ومصر أو حتى بقية أطراف النظام الرسمي العربي. لذلك، فإن التحدي الذي يواجهه بلد مثل الأردن هو تحدٍ كبيرٍ ومضاعف، وهو ما لاحظه الناشط النقابي البارز أحمد زياد أبو غنيمة عندما نشر يقول ما معناه أن «الخيارات محرجة ومؤلمة في ظل خطة توسع إسرائيلية استعمارية تقابلها إدارة أمريكية بالدعم والإسناد».
إسرائيل «تحفر» في الأغوار وواشنطن «تتجاهل»
ما الذي يستطيع الأردن أن يفعله في ظل هذا الميزان المقلق؟ سؤال يطرحه الجميع بشكل هوسي الآن في عمان، ويزداد حيز غياب الجواب على سؤال من هذا الصنف بسبب غياب السردية أو حتى ما يصفه البعض بخطة وطنية للتصدي والمواجهة والتحضير.
خطتان في المشهد المحلي الأردني يتيمتان على الطاولة الآن. الأولى تلك التي تحتفظ بالثوابت المعلنة في ملف القضية الفلسطينية ثم تنطلق أو تتحرك أو تناور ضمن هامش الموقف العربي الموحد في اتجاه يحاول البقاء في أقرب نقطة ممكنة من عواصم عربية فاعلة مثل الرياض والقاهرة، وأيضاً البقاء قريباً من مؤسسة السلطة الفلسطينية حتى وإن تطلب الأمر إصلاحها.
وهو تعبير استعمله الملك عبد الله الثاني بوضوح في خطابه المهم أمام القمة العربية الثلاثاء الماضي، والذي تضمن أربعة محاور مختصرة تمثل خبرة التجربة الأردنية وقولها فيما ينبغي أن تفعله القمة العربية مرحلياً تجاه الملف الفلسطيني.
الخطة الثانية المطروحة على الطاولة هي فقط وسط صمت الحكومة عن ما يقوله الإسلاميون في مهرجاناتهم وبياناتهم وأدبياتهم وفعالياتهم بعنوان الاشتباك والتركيز على أصل وجوهر الصراع، انطلاقاً من ما وصفه المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة مراراً وتكراراً بـ «طوفان الأقصى الأردني».
ضيق الزوايا في المناولة السياسية مساحة مكشوفة عندما يتعلق الأمر بالإجابة عن السؤال الهوسي بعنوان ما الذي نستطيع أن نفعله، وليس ما الذي يجب أن نفعله؟
هوامش المناورة الضيقة لا يمكن إنكارها في مرحلة السيولة الاستراتيجية التي تتوسع فيها إسرائيل تحت عنوان الهيمنة والإخضاع ضد كل دول المنطقة وليس فلسطين المحتلة فقط.
عملياً، لا خطة الإخوان المسلمين خالية من العناصر الانتحارية أو يمكن أن تقود إلى نتائج ملموسة آمنة ولا تؤذي الأردنيين، ولا الرهان على الأصدقاء الأمريكيين واستنساخ خطاب حل الدولتين وتقمص الرؤية العربية، من تلك الخطوات التي يمكن أن تفيد الأردنيين حصراً في الدفاع عن منتجات مصالحهم على الأقل.
والمعنى هنا أوضح، حيث وقائع التحالف بين اليمين الأمريكي والإسرائيلي تمنع حتى ما تبقى من أصدقاء للأردن فيما كان يسمى بالدولة العميقة في إسرائيل والولايات المتحدة من تقديم أي خدمة خاصة في هذه المرحلة بعدما سقطت، بحكم الإيقاع السريع جداً للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، نظرية «تمرير الوقت لأربع سنوات».
الوقائع نفسها تجعل الاستسلام لنظرية المواجهة والاشتباك مجازفة مضطربة في مطلق الأحوال؛ لأن مقاربات الطوفان الفلسطينية، وتحديداً الغزية، قد لا تصلح لا للمواجهة ولا للاشتباك، الأمر الذي يدفع في اتجاه الإلحاح على ضرورة وجود وترتيب خطوات ما منطقية ومتزنة. وعنوانها الفعلي الذي لا يمكن الاختلاف معه طبعاً هو مصلحة الشعب الأردني أولاً واخيراً، فيما يبقى تعريف تلك «المصلحة» تجنياً للغرق مجدداً في منسوب التشكيك أو التباين.
«القدس العربي»