هل صار لزاما على سورية أن تسلك نفس الطريق الموحشة التي سلكتها من قبل دول عربية ذات ربيع تبدت كوارث حلت بشعوبها؟
أحداث الساحل السوري في الأيام الأخيرة، لاتترك مجالا للشك بأن سورية توشك على الوقوع في الفخ. السيناريو ذاته يتكرر بأصابع خارجية تعبث بالتركيبة الطائفية الهشة، وتراهن على الأحقاد والكراهية، ودائما ما تجد تجاوبا يفوق التوقعات.
حين تهاوى نظام الأسد سريعا وهرب زعيمه خارج البلاد ومعه مجموعات من كبار الموالين، ساد انطباع أولي بأن السوريين تعلموا الدرس ولن ينجروا للفوضى. كل المؤشرات كانت توحي بذلك ليلة دخول دمشق واستسلام المدن الكبرى للواقع الجديد بارتياح ظهر على وجوه السوريين في الشوارع والساحات. ترافق ذلك التحول السريع مع دعم عربي رأى في انتصار الثورة السورية خلاصا من عبء إقليمي وضع المنطقة كلها على فوهة بركان.
كانت إسرائيل أول وأخطر العابثين بالمشهد السوري المفتوح على كل الاحتمالات. تدخلت على الفور، بقصف مكثف دمر ما تبقى من قدرات للجيش السوري، رافقه احتلال لمناطق حدودية، سرعان ما تعمق حتى لامس حدود العاصمة دمشق. احتلال طويل الأمد على ما يقول الإسرائيلي، ومعه مخطط محكم لدفع السوريين إلى الانقسام والاقتتال، بدعوى حماية الأقليات.
إيران على الجانب الآخر، لم تبتلع الخسارة في سورية بعد لبنان، وأظهرت تصميما صريحا على تخريب مشروع السوريين للسلم الأهلي، وأعلن أكثر من مسؤول إيراني بأن السلطة التي دانت للشرع لن تدوم طويلا.
وفيما توفر من معلومات لغاية الآن، من الواضح أن مخطط تفجير الساحل السوري تم بتدبير إيراني، وبرنامج عمليات تولى تنفيذه ضباط كبار من أتباع ماهر الأسد.
بدأ واضحا من رد الفعل السوري الرسمي، أن ثوار الأمس فوجئوا بالتحرك العسكري في مدن الساحل، ما يشي عن ضعف في القدرات والحضور الاستخباري والميداني، فكان رد الفعل فوضويا وقاتلا، إذ اندفعت مجموعات مسلحة لا يبدو عليها أي مظهر من مظاهر الانضباط العسكري إلى قرى وبلدات الساحل تقتل وتنكل بالناس دون تمييز، مادفع الرئيس السوري إلى التدخل العاجل لفرض إجراءات تضمن سيادة القانون. لكن الوضع كان قد تدهور والدم سال في الشوارع.
المشهد بدا وكأنه انتقام بأثر رجعي. الأغلبية التي ذاقت الأمرين لنحو ستة عقود، لم تستوعب أو تتقبل ما وصف بغدر الأقلية بعد أشهر كان الاتجاه الغالب فيها يسعى لفتح صفحة جديدة، ويدشن مرحلة عنوانها المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وسيادة القانون.
لكن كما الحال مع خبرات شعوب كثيرة عاشت تجارب الحروب الأهلية، دائما ما يكون هناك أقلية على الطرفين لا تؤمن بخيار المصالحة وتظل على إخلاصها لثقافة الحقد والانتقام. والمؤسف حقا أن مثل هذه الأقليات غالبا ما تنجح في جر الأغلبيات إلى المواجهة؛ فما أسهل اللعب على الهويات حين تكون الملاذ الأخير لطيف واسع من الجاهلين والحاقدين.
بعد أحداث مدن الساحل، سورية تقف اليوم على مفترق طرق، لا بل أنها اجتازت الخط الأحمر وهي تقترب أكثر من أي وقت مضى من تجربة ليبيا، وعلى نحو أكثر فداحة وشرورا. حرب طائفية تأخذ البلاد المطحونة بسنوات طويلة من الصراع الداخلي صوب التقسيم لدويلات، تتحول معه البلاد من جديد لملعب مفتوح لقوى خارجية، تتحكم بمصيرها.
مايزال أمام السوريين متسع ولو ضئيل لتجاوز الكارثة والعودة لصوابهم.