يُعتبر العفو العام أحد أهم الأدوات القانونية التي تلجأ إليها الدول لمعالجة أوضاع خاصة تتعلق بالسياسة الجنائية والاجتماعية ، وفي الأردن، شهدت العقود الماضية إصدار عدد من قوانين العفو العام، التي جاءت استجابة لظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، بهدف تحقيق التوازن بين العدالة وسيادة القانون من جهة، والتخفيف عن المواطنين وتعزيز الاستقرار الاجتماعي من جهة أخرى ، ولكن مع كل عفو عام يُثار الجدل حول آثاره، بين من يراه ضرورة إنسانية وسياسية، ومن يعتقد أنه قد يُضعف الردع العام ويؤثر على منظومة العدالة ، و
العفو العام هو قرار تشريعي يُصدره مجلس الأمة بموجب قانون، يتضمن إعفاءً من العقوبات أو إسقاطها عن فئات معينة من الجرائم التي تحددها الدولة، بحيث يتم محو الأثر القانوني للجريمة وكأنها لم تقع ، ويختلف العفو العام عن العفو الخاص، حيث إن الأخير يُمنح بقرار من الملك وفقًا لأحكام الدستور الأردني، ويقتصر أثره على العقوبة دون محو الجريمة من السجل الجنائي ، وشهد الأردن عدة قوانين للعفو العام، كان آخرها عام 2019، وجاء ضمن سياق اقتصادي واجتماعي صعب، حيث تراكمت الديون الشخصية وازدادت قضايا الشيكات دون رصيد، إضافة إلى ازدياد أعداد المسجونين بسبب جرائم غير جسيمة ، وعادة ما يكون العفو العام مرتبطًا بتوجيهات ملكية، تعكس رغبة الدولة في منح فرصة جديدة لمن ارتكبوا جرائم معينة، باستثناء الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب والفساد والقتل العمد ، والسؤال هنا ما
أهمية العفو العام ؟ وللإجابة نقول:
1. البعد الإنساني والاجتماعي ، فالعفو العام يسهم في إعادة دمج الأفراد في المجتمع، خاصة الذين ارتكبوا جرائم غير جسيمة نتيجة ظروف معينة مثل الفقر أو ضغوط الحياة ، كما يخفف الأعباء النفسية والاجتماعية عن أسر المسجونين، ويعيد التماسك للعائلات التي تأثرت بسجن أحد أفرادها.
2. التخفيف من الاكتظاظ في السجون ، حيث تواجه السجون الأردنية، كما في العديد من الدول، مشكلة الاكتظاظ، مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع المعيشية داخلها ويشكل عبئًا ماليًا على الدولة ، بالتالي يساعد العفو العام في تخفيف الضغط على مراكز الإصلاح والتأهيل، مما يمكن الحكومة من توجيه الموارد نحو تأهيل وإصلاح النزلاء بدلًا من الاكتفاء بحبسهم.
3. تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ، وفي بعض الأحيان، يُستخدم العفو العام كأداة لتحقيق المصالحة الوطنية أو تخفيف التوترات الاجتماعية، خاصة في فترات الأزمات أو التغييرات السياسية الكبرى ، كما أن العفو العام يعزز ثقة المواطنين بالدولة، خاصة عندما يكون جزءًا من إصلاحات قانونية أوسع تشمل تحسين القوانين الجنائية وتعزيز العدالة التصالحية.
4. تحفيز الاقتصاد ، فإطلاق سراح المدينين في القضايا المالية قد يسهم في إعادة دمجهم في سوق العمل، مما يعزز النشاط الاقتصادي ، كما أن تخفيف الأعباء المالية عن أسر المسجونين ينعكس إيجابًا على الاقتصاد من خلال زيادة الاستهلاك وتحسين الظروف المعيشية.
ورغم الفوائد العديدة للعفو العام، فإنه يواجه بعض الانتقادات، أبرزها:
1. إضعاف الردع العام: يرى بعض الخبراء القانونيين أن إصدار العفو العام بشكل متكرر قد يشجع على ارتكاب الجرائم، إذ يدرك البعض أن هناك فرصة للإفلات من العقوبة مستقبلًا.
2. التمييز في تطبيقه: بعض الفئات تُستثنى من العفو العام، مما يثير تساؤلات حول العدالة في اختيار الجرائم المشمولة.
3. تأثيره على حقوق الضحايا: في بعض الحالات، يؤدي العفو العام إلى إسقاط العقوبات عن المدانين بجرائم تضر بمصالح الأفراد، مما قد يثير اعتراضات من الضحايا أو ذويهم.
ويبقى العفو العام في الأردن أداة قانونية حساسة تتطلب توازنًا دقيقًا بين تحقيق العدالة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي ، ولضمان تحقيق أهدافه، يجب أن يكون العفو العام جزءًا من إصلاحات شاملة في النظام القانوني والجنائي، بحيث يُعاد تأهيل المستفيدين منه بدلاً من تركهم ليعودوا إلى ارتكاب الجرائم ، كما ينبغي أن يُراعي حقوق الضحايا، وأن يُستخدم بطريقة مدروسة تمنع استغلاله كأداة سياسية أو استثناء متكرر يضعف هيبة القانون . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .