زاد الاردن الاخباري -
كتب : حسين الرواشدة - المنطقة من حولنا تشتعل بالنيران، ثلاث جبهات على حدودنا مفتوحة على مزيد من التهديدات والأخطار، صحيح، عيون جنودنا لا تغمض ولا تنام، الدبلوماسية الأردنية تتحرك بكل اتجاه، لكن ثمة سؤال كبير يراودنا، ويشغلنا أيضا: أين «طوق النجاة «لكي نخرج سالمين من هذه المرحلة الصعبة؟ أقصد النكبة الجديدة التي التفت فيها خيوط اللعبة الكبرى حول رقبة دولنا العربية، وبلدنا، حيث انتهى عصر التحالفات التقليدية، والصداقات المضمونة، و حيث مشروع اسرائيل ?/ نتنياهو? التلمودي، برعاية أمريكية، يتمدد بسرعة، تماماً كما فعل «هولاكو خان « قبل نحو 770 عاماً.
قلت : لابد أن نبحث، أردنياً، عن «طوق النجاة»، وأعتقد أننا نفعل ذلك في سياقين : التكيّف والتحوّط، كما أننا في القادم القريب سنفعل المزيد، ثلاث رسائل مهمة -وفق معلومات مؤكدة - أوصلتها الدبلوماسية الأردنية إلى الادارة الأمريكية الجديدة، الأولى : لا مجال للنقاش حول أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، وتحديداً من الضفة الغربية للأردن، وإذا حصل ذلك، تحت أي ظرف، فلدينا خطة لإقامة «مناطق عازلة « خارج حدودنا، هذا قد يدفع إلى اشتباك عسكري، نحن جاهزون له إذا اقتضى الأمر.
الرسالة الثانية : القضية الفلسطينية تهمنا في سياق أمننا الوطني، لكنها قضية عربية وإسلامية بالدرجة الأولى، والأردن لن يشارك، بأي شكل، في تصفيتها، ولن يذهب أي جندي أردني إلى الأراضي الفلسطينية تحت اي عنوان، الأردنيون والفلسطينيون شركاء في الدم الواحد، ولا يمكن أن يدخلوا في صراعات دموية.
الرسالة الثالثة : عنوان حل القضية الفلسطينية واحد وهو إقامة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين، نحن جاهزون للمساهمة في أي دور يساعد على ذلك،
لكن أي حل آخر على حساب الأردن مرفوض، وسيُدخل المنطقة كلها في حروب وصراعات تتوزع خساراتها الباهظة على الجميع.
في إطار البحث عن «طوق النجاة»، أيضا، تدور نقاشات عميقة داخل الغرف المغلقة لإعادة ترتيب «البيت الأردني»، سياسياً واقتصادياً، إعلامياً واجتماعياً، هنالك متغيرات طرأت على المشهد لابد من التعامل معها، أهمها (لمّ الشمل الوطني)، وتحصين الجبهة الداخلية على موقف وخطاب عام موحد، ووفق إجراءات لترطيب المزاج العام، ثم تغييرات في بعض المواقع العامة تتناسب مع استحقاقات المرحلة القادمة، لقد أصبنا وأخطأنا، وأصبح من الضروري أن نبدأ بمراجعات جادة، وفي تقديري أن ذلك حصل، وأننا سنلمس نتائجه خلال الأيام القادمة.
في إطار البحث عن «طوق النجاة «، أيضا، بدأت الدبلوماسية الأردنية باستدارات مهمة تجاه الخارج؛ الخطاب الرسمي تجاوز الانفعال بالحرب إلى خطاب عقلاني، يتصدى سياسياً لاستحقاقاتها بما يتناسب مع المستجدات التي طرأت في المنطقة والعالم، الملفان السوري والعراقي أصبحا «قضيتين»، وربما أولويتين مهمتين في التداول السياسي الأردني، ثمة تفاهمات مع الطرف الإسرائيلي أنتجت حالة من الهدوء فيما يتعلق بوضع القدس والمقدسات في شهر رمضان، العلاقة بأنقرة تتطور بشكل سريع، التحالف مع واشنطن يحظى باهتمام كبير وهنالك مؤشرات عديدة على تجاوز الكثير من الاختلافات، العمق العربي (السعودي تحديداً) أولوية على أجندة الأردن لبناء حالة توافق عربي ناضج، وقادر على مواجهة أزمات المنطقة بحلول واقعية.
هل يكفي ذلك؟ ربما لا، لكن المؤكد أن الدولة الأردنية لديها ما يلزم من أوراق سياسية للتعامل مع أي مستجد قادم، أو للتكيّف مع أي طارئ، أكيد «طوق النجاة « متوفر، يحتاج، فقط، إلى إحياء همة الأردنيين، وحضور العقلاء، وإدارة المرحلة بهدوء، وعدم الاستغراق في صناعة الانقسامات ونبش الماضي وتوظيف المظلوميات، واختطاف المجتمع بالعواطف والمزايدات. نحن الأردنيين أقوى ما نكون عند مواجهة الأزمات، وأصلب مما يتصور البعض حين تسقط الأقنعة، أو تخيب الرهانات.