حقوق الإنسان... هذا المصطلح الذي يرفع الغرب لواءه في كل محفل، لم يكن يومًا سوى أداة سياسية تُستخدم لتبرير التدخلات العسكرية، وتقنين الاستعمار الحديث، وإخضاع الشعوب تحت ستار الفضيلة والقيم الإنسانية ، وبينما تنصبّ الإدانات على جرائم الغير، تبقى صفحات التاريخ مطوية عن سجل الإمبريالية الغربية الأسود، حيث ارتُكبت أبشع الفظائع ضد الإنسانية، دون مساءلة أو محاكمة ، فمن ألمانيا إلى العراق، مرورًا بفيتنام واليابان والفلبين، ارتكب الغرب جرائم يندى لها الجبين، تفوق في وحشيتها كل ما يدّعي إدانته في خطاباته الزائفة عن الأخلاق والعدالة ، هذه الجرائم لم تكن استثناءات تاريخية، بل كانت جزءًا من عقيدة استعمارية مترسخة، تتجدد عبر الزمن كلما برز شعب يرفض الخضوع ، ودعونا نبدأ بنقاط مختصرة :
1- ألمانيا: اغتصاب ممنهج وإبادة بطيئة ، بينما كان العالم منشغلًا بمحاكمات نورمبرغ، حيث يُحاكم النازيون على جرائم الحرب، كانت قوات الحلفاء ترتكب فظائع مماثلة، إن لم تكن أشد وحشية ، أكثر من مليوني امرأة ألمانية تعرّضن للاغتصاب المنهجي على يد القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، في واحدة من أعظم جرائم العنف الجنسي في العصر الحديث ، بعض الضحايا تعرضن للاغتصاب عشرات المرات، ما أدى إلى وفاة 200 ألف امرأة بسبب الإصابات أو الانتحار تحت وطأة العار والصدمة النفسية.
2- فيتنام: المجازر الوحشية تحت ستار الديمقراطية ، لم تكن حرب فيتنام مجرد نزاع عسكري، بل كانت إبادة جماعية موثقة، حيث قتلت الولايات المتحدة أكثر من 160 ألف مدني، وعذبت وشوهت 700 ألف آخرين بطرق وحشية، شملت اغتصاب 31 ألف امرأة، وانتزاع أحشاء 3,000 شخص وهم أحياء، وحرق 4,000 إنسان حتى الموت، وإغراق 46 قرية بالمواد الكيميائية السامة ، وآثار هذا الدمار لا تزال تطارد الأجيال الفيتنامية حتى اليوم، عبر الأمراض والتشوهات الخلقية الناجمة عن استخدام السموم المحرّمة دوليًا.
3- اليابان: حين تحرق قنبلةٌ واحدة مدينةً كاملة ، عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتيها النوويتين على هيروشيما وناغازاكي، لم يكن الهدف تحقيق نصر عسكري حاسم، بل كان استعراضًا متوحشًا للقوة، ورسالة رعب موجهة للعالم بأسره ، 220 ألف إنسان ماتوا فورًا، ومئات الآلاف أصيبوا بإعاقات دائمة، في أعظم جريمة إبادة جماعية شهدها العصر الحديث.
4- الفلبين: إبادة جماعية محذوفة من كتب التاريخ ، نعم ،تُخفي كتب التاريخ جريمة قلما يُذكر عنها شيء: الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الولايات المتحدة بحق 1.5 مليون فلبيني خلال الحرب الأمريكية-الفلبينية ، عمليات إعدام جماعي، حرق قرى بأكملها، وتعذيب آلاف المدنيين بوحشية تفوق الخيال، كل ذلك كان جزءًا من سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها الاحتلال الأمريكي ، حتى الكونغرس الأمريكي نفسه أجرى لاحقًا تحقيقًا وثّق هذه الفظائع، لكنه لم يؤدِّ إلى أي محاسبة.
5- العراق: احتلالٌ مغلفٌ بالكذب والموت ، فتحت ذريعة "أسلحة الدمار الشامل"، اجتاحت الولايات المتحدة العراق عام 2003، في عملية لم تكن سوى حملة تدميرية ممنهجة، أدت إلى مقتل أكثر من 2 مليون مدني، بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء ، وإضافة إلى الفوضى الطائفية التي شجعتها قوى الاحتلال، مارست القوات الأمريكية أبشع أنواع التعذيب في سجن أبو غريب، حيث تحولت الزنازين إلى مسالخ بشرية، تُرتكب فيها الانتهاكات الجسدية والنفسية بأبشع صورها ، ولعل من أبشع المفارقات ازدواجية المعايير ، التي تمكن الجلاد أن يتحدث عن حقوق الإنسان ، والمحزن المخزن في آن معاً أنه وبعد كل هذه الجرائم المروعة، لا يزال الغرب يتحدث عن حقوق الإنسان، ويفرض العقوبات على الدول التي ترفض الانصياع لإملاءاته، بل يعقد المؤتمرات وينصّب نفسه حاميًا للديمقراطية ، والأسوأ أن هناك من لا يزال يصدق هذه الأكاذيب، رغم أن التاريخ يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن كل أمة وثقت بهم كانت نهايتها الخراب والدمار ، فكيف يمكن لمن قصف مدنًا نووية، واغتصب ملايين النساء، وأباد قرىً بأكملها، أن ينصِّب نفسه وصيًا على الإنسانية؟ وإن هذه المذابح لم تكن مجرد "أخطاء عابرة" أو تجاوزات فردية، بل كانت استراتيجية متعمدة تُمارس ضد كل شعب يرفض الخضوع، وهي ليست من الماضي، بل سياسة مستمرة يتم استخدامها كلما أراد الغرب فرض هيمنته على أمة جديدة ، والسؤال الذي يطرحه هذا السياق : هل آن الأوان لاستيقاظ الشعوب؟ فالدرس الذي يجب أن تدركه الأمم هو أن القوى الإمبريالية لا تأتي أبدًا بالسلام، بل تأتي بالخراب، وتُلبس جرائمها قناع "الحرية وحقوق الإنسان" ، واستمرار تصديق الشعوب لهذه الأكاذيب هو ما يُبقيها تحت سيطرة الجلاد، وإذا كان هناك شيء واحد يجب أن نتعلمه من التاريخ، فهو أن من يضع يده في يد أمريكا، فإن نهايته دمارٌ حتمي ، هكذا يقول التاريخ الدموي لأمريكا للأسف الشديد . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .