في سياق الأوضاع المتقلبة التي تشهدها سوريا، تواصل إسرائيل سعيها لإعادة رسم المشهد الاستراتيجي في المنطقة عبر خطة طموحة تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري في مواقع حيوية على الحدود السورية-الإسرائيلية ، هذا المخطط لا يقتصر على ضمان الأمن، بل يسعى إلى ترسيخ هيمنة تل أبيب على المنطقة، التي تعتبرها ذات أهمية بالغة في مواجهة تهديدات محتملة من تنظيمات مسلحة قد تقترب من نقاطها الحدودية ، وفي قلب هذه الاستراتيجية تكمن نية إسرائيل في تكريس واقع جديد يمكنها من السيطرة على مناطق واسعة تحت ذريعة حماية الحدود ومنع أي تهديدات، بما في ذلك من جماعات مسلحة عابرة للحدود ، وإسرائيل، التي تعيش حالة من القلق المستمر حيال التطورات في سوريا، ترى أن التمدد التركي في المنطقة يشكل تهديداً استراتيجياً مهماً، وقد أعربت عن هذا القلق في محادثاتها مع روسيا، حيث دعت إلى تعزيز الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري ، وهذه التحركات تأتي في وقت حاسم، حيث أكدت تل أبيب، عبر تصريحات مسؤولين كبار، على استعدادها لإدارة الملف السوري بما يخدم مصالحها الأمنية ، ومع تفاقم الوضع السوري، تراقب إسرائيل عن كثب التحركات داخل سوريا، خاصة تلك المتعلقة بالحركات الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي ، و القلق الإسرائيلي يتمحور حول احتمالية أن تكون سوريا، التي تشهد حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي، ملاذاً لمقاتلين من هذه الجماعات ، لذا، تسعى تل أبيب إلى فرض خطط أمنية متكاملة عبر نشر قوات عسكرية في مناطق إستراتيجية، لتشكل ما تسميه "المنظومة الدفاعية" التي تشمل ثلاث مناطق رئيسية: "المنطقة العازلة"، "المنطقة الأمنية"، و"منطقة التأثير"، وهي مناطق جغرافية تسعى إسرائيل إلى تحويلها إلى نطاقات تحت سيطرتها العسكرية والسياسية ، وفي إطار هذا المخطط، تتطلع إسرائيل إلى تعزيز قوتها العسكرية في منطقة جبل الشيخ وصولاً إلى الحدود السورية-الأردنية-الإسرائيلية، مما يتيح لها مراقبة أي نشاط في المناطق المجاورة، بما في ذلك جنوب دمشق ، وتركز إسرائيل على نشر قوات بشكل دائم في هذه المناطق لتعزيز قدرتها على الرد السريع ومنع أي تهديدات قد تأتي من أي جهة ، أما في السياق الأوسع، فإن التوترات الإقليمية بين إسرائيل وتركيا تلقي بظلالها على هذه التحركات. تركيا، التي تسعى إلى زيادة نفوذها في المنطقة، تمثل مصدر قلق لإسرائيل، التي ترى في التحركات التركية تهديداً مباشراً لاستقرار الحدود والوجود العسكري في شمال شرق سوريا ، على الرغم من أن أنقرة لا تسيطر مباشرة على معظم الفصائل المتشددة في سوريا، إلا أن إسرائيل ترى في الدعم التركي لهذه الجماعات تهديداً بعيد المدى قد يؤثر على أمنها القومي ، بالتالي
إسرائيل تحاول ضمان أن تبقى سوريا خاضعة لسيطرة موازية تضمن عدم تحولها إلى ساحة مفتوحة للتهديدات العسكرية، لا سيما تلك التي قد تنطلق من فصائل مسلحة مدعومة من تركيا أو إيران ، وهذا السعي المستمر يفرض على إسرائيل إجراء محادثات مع دول مثل روسيا وأميركا، لضمان نشر القوات اللازمة وتقليص دور تركيا في سوريا ، وبذلك، تحاول تل أبيب إنشاء واقع جديد يعزز من استقرارها الأمني ويضمن لها حرية حركة كاملة على الحدود الشمالية ،
لكن هذا المسار لا يخلو من المخاطر، فبينما تسعى إسرائيل لفرض واقعها الخاص، هناك قوى إقليمية ودولية قد تقف ضد هذا التوجه ، مما يجعل السؤال الأبرز: هل ستتمكن إسرائيل من تنفيذ خططها دون مواجهة تداعيات قد تغير معالم التوازن الإقليمي في المستقبل؟!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .