الصهيونية لم تكن يومًا مجرد حركة سياسية تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود، بل كانت منذ نشأتها مشروعًا استيطانيًا توسعيًا يستند إلى خليط من الأيديولوجيا الدينية المحرفة والنزعة العنصرية المتطرفة. واليوم، ومع تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، يتضح بشكل متزايد أن الحرب الدائرة ليست مجرد صراع جغرافي أو قومي، بل هي حرب عقدية بامتياز، ترعاها الصهيونية العالمية بقيادة الولايات المتحدة، وتسعى من خلالها إلى تقويض الإسلام كقوة حضارية وسياسية تهدد مخططاتهم. ظهر مصطلح “الصهيونازية” ليعبر عن التشابه الجوهري بين الأيديولوجية الصهيونية والفكر النازي، فكلاهما يقومان على التفوق العرقي وإبادة الآخر. الصهاينة، مثل النازيين، ينظرون إلى غير اليهود على أنهم أقل شأنًا، ويعتبرون فلسطين أرضًا موعودة لهم، مما يبرر – حسب زعمهم – القتل والتهجير والاستيطان. وهذا ما نراه اليوم في فلسطين، حيث تُمارس جرائم حرب وإبادة جماعية بدعم غربي غير مشروط. وإذا عدنا إلى كتاب تحت الشمس، نجد أن الكاتب يكشف هذه العقلية الصهيونية الاستعلائية،
“اليهود يؤمنون بأن الله منحهم حق السيطرة على العالم، وأن غير اليهود خلقوا لخدمتهم. وهذه العقيدة ليست مجرد أوهام دينية، بل هي برنامج عمل ينفذونه خطوة بخطوة.”
ويُعتبر بنيامين نتنياهو أحد أبرز القادة الصهاينة الذين يجسدون النهج الصهيونازي بكل تفاصيله. منذ صعوده السياسي، وهو يسعى إلى تصعيد العنف وتوسيع المستوطنات، ويؤكد بشكل متكرر أن “إسرائيل دولة لليهود فقط”، مما يعكس العنصرية المتأصلة في فكره. في تصريحاته العلنية، لا يخفي نتنياهو أطماعه في الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهو ما يتماشى مع ما ورد في كتاب أطماع اليهود، الذي يكشف أن المشروع الصهيوني لا يقتصر على فلسطين، بل يمتد ليشمل أجزاء واسعة من العالم العربي، مستندًا إلى نصوص التوراة المحرفة التي تضع حدود “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل. ومنذ عقود، والولايات المتحدة تلعب دور الراعي الرسمي للصهيونية، لا لسبب سياسي بحت، بل لأن العقيدة البروتستانتية المنتشرة في أمريكا تتبنى تفسيرات توراتية ترى أن دعم إسرائيل واجب ديني لتحقيق نبوءات آخر الزمان. لذلك، نجد أن كل الحروب التي شنتها أمريكا في الشرق الأوسط، من العراق إلى سوريا، كانت تصب في خدمة إسرائيل وإضعاف الدول الإسلامية. الحرب الحالية على غزة ليست سوى امتداد لهذا المخطط، فالمقاومة الفلسطينية ليست مجرد تنظيمات سياسية أو عسكرية، بل هي رمز للصمود الإسلامي في وجه المشروع الصهيوني. وهذا ما يجعل الحرب تأخذ طابعًا عقديًا، حيث يسعى الصهاينة وحلفاؤهم إلى كسر شوكة الإسلام وإفراغ القضية الفلسطينية من بعدها الديني، لتحويلها إلى قضية إنسانية قابلة للتفاوض والتنازل. لا شك أن الصهيونازية مشروع طويل الأمد، لكن التاريخ أثبت أن الاحتلال مهما طال، فإن مصيره الزوال. القضية الفلسطينية ليست مجرد أرض محتلة، بل هي معركة بين الحق والباطل، بين الاستعمار والمقاومة، بين الإسلام والصهيونية. وهذا ما يدركه الصهاينة أنفسهم، ولذلك يحاولون بكل الوسائل محو الهوية الإسلامية لفلسطين. لكن كما قال
المؤرخ أرنولد توينبي: “أي استعمار استيطاني لا بد أن يواجه مقاومة، وأي مقاومة صادقة لا بد أن تنتصر في النهاية.”
إنها معركة طويلة، لكنها معركة الوعي قبل أن تكون معركة السلاح، ومتى امتلكت الأمة وعيها، فإن الاحتلال الصهيوني سيكون مجرد صفحة سوداء في تاريخ الأمة، سرعان ما تُطوى.