منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، اتخذ نهجًا اقتصاديًا عدوانيًا ضد الصين، تمثل في فرض تعريفات جمركية صارمة، وتقييد وصول الشركات الصينية إلى التكنولوجيا الأمريكية، ومحاولة إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية بعيدًا عن بكين ، هذه الاستراتيجية، التي تبدو ظاهريًا كحرب تجارية، هي في جوهرها محاولة لتجنب صدام عسكري مباشر مع الصين، عبر كبح صعودها الاقتصادي وتقليص نفوذها العالمي ،
لكن ماذا لو فشلت هذه الاستراتيجية؟! هل يمكن أن تؤدي التوترات المتصاعدة إلى حرب عالمية ثالثة؟! وكيف ترتبط غزة، وغرينلاند، وكندا بهذا الصراع؟! وللإجابة نقول :
أولًا: ترامب والاستراتيجية الاقتصادية كبديل للحرب ،
تاريخيًا، كانت الحروب تُخاض بأسلحة الجيوش، لكن في القرن الحادي والعشرين، تحولت الأدوات الاقتصادية إلى أسلحة استراتيجية في مواجهة القوى العظمى ، وترامب، الذي يرى أن الصين تمثل التهديد الأكبر للهيمنة الأمريكية، لجأ إلى سياسات "الاحتواء الاقتصادي"، حيث فرض قيودًا تجارية وتقنية عليها، في محاولة لإبطاء نموها ومنعها من الوصول إلى مرحلة التحدي المباشر للولايات المتحدة ، لكن هذه المقاربة تحمل مخاطر كبيرة، فالصين ليست مجرد اقتصاد ناشئ، بل قوة عالمية ذات نفوذ عسكري وسياسي، وقد يكون ردها على هذه الضغوط تصعيدًا في المواجهة العسكرية بدلاً من التراجع الاقتصادي.
ثانيًا: ما علاقة غزة بالصراع الأمريكي-الصيني؟! قد يبدو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بعيدًا عن التوترات بين الولايات المتحدة والصين، لكنه في الواقع نقطة حساسة في الاستراتيجية الجيوسياسية ، فالصين، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وجدت في القضية الفلسطينية ورقة ضغط مهمة ضد واشنطن ، وقد دعمت بكين مرارًا القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وانتقدت السياسات الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا ، وتحاول الصين تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، ليس فقط لضمان تدفق النفط، ولكن أيضًا لخلق تحالفات استراتيجية يمكن أن تعقد الحسابات الأمريكية في المنطقة ، وغزة، كنقطة اشتعال دائمة، قد تتحول إلى ساحة صراع غير مباشر بين القوى العظمى، حيث يمكن للصين وروسيا دعم أطراف في الصراع لممارسة ضغوط على إسرائيل، وبالتالي على الولايات المتحدة.
ثالثًا: غرينلاند.. الحلقة المفقودة في الحرب التجارية؟!
ففي عام 2019، اقترح ترامب شراء غرينلاند من الدنمارك، وهو اقتراح بدا غريبًا للبعض، لكنه كان يحمل دلالات استراتيجية عميقة ، غرينلاند ليست مجرد جزيرة جليدية، بل تحتوي على موارد طبيعية نادرة، وتعتبر موقعًا حيويًا للسيطرة على الطرق البحرية في القطب الشمالي، حيث تسعى الصين إلى توسيع نفوذها ، و استثمرت بالفعل في مشاريع تعدين في غرينلاند، مما أثار قلق البنتاغون ،
فالقطب الشمالي يُعد جبهة جديدة للتنافس الجيوسياسي، حيث تؤسس الصين ممرًا اقتصاديًا جديدًا ضمن مشروع "الحزام والطريق" ، ورفض الدنمارك عرض ترامب زاد من تعقيد العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، وفتح المجال أمام الصين لتعزيز وجودها في المنطقة.
رابعًا: كندا.. هل تصبح ساحة مواجهة غير متوقعة؟!! و
بينما تبدو كندا بعيدة عن صراع الهيمنة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنها تجد نفسها في موقف حساس، نظرًا لقربها الجغرافي من الولايات المتحدة وعلاقاتها التجارية الوثيقة مع الصين ، وفي عام 2018، اعتقلت كندا المديرة المالية لشركة هواوي، مينغ وانزو، بناءً على طلب أمريكي، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين بكين وأوتاوا ، والصين ردت باعتقال مواطنين كنديين، ما يعكس استعدادها لاستخدام أدوات انتقامية في الحرب الاقتصادية ، وتصاعد التوترات قد يدفع كندا إلى اتخاذ موقف أكثر وضوحًا في الصراع، مما قد يجعلها عرضة لضغوط اقتصادية وسياسية من الجانبين.
خامسًا: هل يمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى حرب عالمية ثالثة؟!! والإجابة هي : إذا استمرت الضغوط الاقتصادية الأمريكية على الصين دون تحقيق نتائج ملموسة، فقد تجد بكين نفسها مضطرة للرد بوسائل غير تقليدية، بما في ذلك : تصعيد عسكري في تايوان: قد تلجأ الصين إلى غزو تايوان كخطوة استباقية لكسر الطوق الأمريكي ، فضلاً عن نشوب حرب إلكترونية واسعة: قد تستخدم الصين قدراتها السيبرانية لضرب البنية التحتية الأمريكية ، وتدخل في مناطق النزاع: مثل دعم روسيا في أوكرانيا أو تعزيز دورها في الشرق الأوسط لضرب المصالح الأمريكية ، والسؤال الذي يطرح نفسه ضمن هذا السياق :
هل نحن على أعتاب كارثة؟!! سيما وان السياسات الاقتصادية التي انتهجها ترامب لم تكن مجرد أدوات ضغط تجاري، بل كانت محاولة لإعادة صياغة ميزان القوى العالمي ، لكن المشكلة أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن تدفع الصين إلى مزيد من التصعيد بدلًا من التراجع ، و
إذا لم يتم احتواء هذه التوترات بحلول دبلوماسية، فقد نجد أنفسنا أمام صراع عالمي جديد، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والعسكرية، ويصبح العالم مسرحًا لمواجهات لا يمكن التنبؤ بعواقبها ، ويبقى السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه الآن: هل العالم مستعد لدفع ثمن هذه اللعبة الجيوسياسية؟!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .