في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة، يجد العديد من المقترضين أنفسهم غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه البنوك ، وبدلًا من تقديم حلول عادلة ومنصفة، تلجأ البنوك إلى إعادة جدولة القروض المتعثرة، من خلال مايسمى " إعادة الهيكلة " لكنها في الواقع لا تقدم حلًا حقيقيًا، بل تتحول إلى أداة لاستنزاف المقترضين لعقود طويلة، حيث يصبح العميل مسجونًا ماليًا، يدفع لسنوات تتجاوز العشر والعشرين عامًا، دون أن يقترب من تسديد أصل الدين ، فما حقيقة هذه الآلية؟ وأين رقابة البنك المركزي من هذا التغوّل؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بصدد إعادة هيكلة ، أم فخ مالي؟
فعندما يتعثر المقترض في سداد قرضه، تقدم له البنوك خيار "إعادة الهيكلة"، والذي يُفترض أن يخفف عنه العبء المالي ، لكن في الحقيقة ، يُكتشف المقترض أن هذا الخيار ليس سوى فخّ قانوني يُعيد صياغة الدين بطريقة تؤدي إلى:
1. زيادة فترة السداد بشكل غير معقول: حيث يمتد القرض لعشرات السنين، دون أن يتمكن المقترض من رؤية نهاية فعلية للديون.
2. إضافة فوائد مركّبة: فبدلًا من تخفيض الفوائد، يتم رسملتها، أي إدراجها ضمن أصل الدين، مما يؤدي إلى تضخم المبلغ المطلوب سداده بشكل مهول.
3. تحصيل أرباح غير مبررة: إذ يصبح المقترض يدفع فوائد أعلى من الأصل في بعض الأحيان، مما يشكل استغلالًا غير عادل لظروفه.
4. استمرار الأزمة المالية للمقترض: إذ بدلًا من حصوله على فرصة للخروج من الأزمة، يجد نفسه محاصرًا ماليًا لفترات أطول.
نعود ونتساءل: أين رقابة البنك المركزي؟ وهل الأمر يحتاج إلى رفع قضايا على البنوك في المحاكم المختصة عالمياً ؟ هذا مع تشكيل لجان للتفتيش على دوائر وأقسام إعادة الهيكلة في البنوك ؟
حقيقة نحن لا نحتاج لكل هذا لأنه يفترض أن يكون البنك المركزي هو الجهة الرقابية المسؤولة عن حماية العملاء من ممارسات البنوك غير العادلة ، لكن في ظل هذا الواقع، نجد أن البنك المركزي لا يتدخل بشكل حاسم لحماية المقترضين من الغرق في دوامة الديون المعاد هيكلتها ، والأسئلة التي تطرح نفسها هنا:
لماذا لا يتم فرض قواعد واضحة تمنع تمديد القروض لفترات تتجاوز الحد المعقول؟
لماذا لا يُجبر البنك على مراجعة الفوائد المضافة وتقليلها بدلًا من ترحيلها وزيادتها؟
لماذا لا يتم إلزام البنوك بإيجاد حلول واقعية، مثل تقليل نسبة الفائدة أو إسقاط جزء من الدين بدلاً من إعادة تدويره؟
وهنا لابد من الإنصاف الغائب ، وضرورة العودة إلى القروض القديمة ، لأنها المخرج العادل للمقترضين المتعثرين ، حيث يكمن الحل في إعادة النظر في شروط القروض القديمة التي استغلت حاجة العملاء دون مراعاة قدرتهم الفعلية على السداد ، لهذا ينبغي اتخاذ الخطوات التالية لضمان العدالة المالية:
1. إجراء مراجعة شاملة لملفات القروض: بحيث يتم تقييم مدى التزام البنوك بالمعايير العادلة في منح القروض وإعادة هيكلتها.
2. وضع سقف زمني للقروض المعاد هيكلتها: بحيث لا تتجاوز مدة السداد ضعف الفترة الأصلية بأي حال من الأحوال.
3. إلزام البنوك بتخفيض الفوائد لا ترحيلها: بحيث يُعاد احتساب الفوائد على أساس عادل يأخذ بعين الاعتبار قدرة المقترض الحقيقية.
4. فرض قيود على البنوك لمنع التغوّل: عبر سنّ قوانين تحمي المقترضين من الوقوع في فخ القروض اللانهائية.
5- إنصاف اصحاب الفروض القديمة ، عبر احتساب ما تم تسديده وتم حسابه من قبل البنوك كفوائد ، وهذا ظلم كبير وتغول جائر ينبغي وقفه ، لتحرير رواتب المتقاعدين الضمان الاجتماعي والعسكريين ، وجميع العملاء ، ممن وقعوا في فخ إعادة الهيكلة ، كفاكم ،
فإن استمرار البنوك في استخدام إعادة الهيكلة كأداة لاستعباد المقترضين ماليًا يمثل انتهاكًا واضحًا للعدالة الاقتصادية ، ويقع على عاتق الجهات الرقابية، وعلى رأسها البنك المركزي، مسؤولية وضع حد لهذه التجاوزات، وإيجاد حلول تنصف المقترضين بدلاً من تكبيلهم بقيود الديون المستمرة لعقود ، فهل نرى تحركًا حقيقيًا في هذا الاتجاه، أم أن المقترضين سيبقون وحدهم في مواجهة آلة الربح المتغولة بلا رحمة؟ ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .