تعد الانتخابات بمثابة محطات فاصلة في مسار أي دولة حيث تُظهر الانتخابات حجم الدعم الشعبي للأحزاب والمرشحين وتضعهم في مواجهة مع الواقع الذي ينتظرهم في حال فوزهم لكن ما يحدث بعد هذه الانتخابات يمثل لغزًا محيرًا للكثير من المواطنين الأحزاب التي حظيت بدعم جماهيري واسع، والتي رفعت شعارات رنانة وتَعهدت بتغيير أوضاع البلاد للأفضل غالبًا ما تختفي أصواتها وتغيب إنجازاتها ليصبح السؤال الأهم: أين الوعود التي قُدمت؟ وما الذي يعيق هذه الأحزاب عن تنفيذ مشاريعها الطموحة؟
كل حزب يحرص على تقديم برنامج انتخابي شامل يتضمن تحسينات في مجالات الاقتصاد، التعليم، الصحة، والبنية التحتية. يتناغم هذا الخطاب مع آمال المواطنين الذين يتوقون إلى التغيير. لكن بمجرد أن يجلس هؤلاء في المقاعد البرلمانية أو الحكومية، يبدأ السؤال الكبير في التبخر: أين إنجازاتكم؟ في كثير من الأحيان، نرى الأحزاب التي كانت تتسابق على كسب الأصوات تتنصل من التزاماتها في أول اختبار حقيقي لها الصمت يحل محل الخطط المعلنة وتتبدد الحماسة، لتبدأ لعبة التأجيلات و"إلقاء اللوم" على الظروف الداخلية والخارجية يصبح المواطن هو الضحية الأولى لهذا الصمت ويشعر بالخذلان نتيجة الفجوة الكبيرة بين وعود الحملات الانتخابية والواقع الذي يعيشه
ما يحدث بعد الانتخابات ليس مجرد نتيجة لعدم الجدية، بل هو انعكاس لصراع داخلي بين الأحزاب وحسابات سياسية ضيقة فقد تختار الأحزاب التحالفات السياسية التي تحجم من قدرتها على تنفيذ البرامج كما أن بعض الأحزاب تفضل التركيز على الحفاظ على السلطة بدلاً من تحقيق الأهداف التي وضعتها أمام الشعب. علاوة على ذلك فإن النظام السياسي في بعض الدول يفتقر إلى آليات فعالة للمحاسبة والمراقبة مما يجعل الأحزاب تفلت من المسؤولية. هذا الصمت لا يقتصر فقط على غياب الإنجازات بل يمتد ليشمل غياب التواصل مع الجمهور بدلًا من الشفافية، يجد المواطن نفسه في ظلام من القرارات غير المفسرة والتأجيلات المستمرة.
مؤشرات مركز الحياة "راصد" تؤكد على أن غياب الإنجازات من قبل الأحزاب بعد الانتخابات أصبح ظاهرة مقلقة. فقد أظهرت تقارير المركز أن نسبة كبيرة من الوعود التي قُدمت خلال الحملات الانتخابية لم تجد طريقها إلى التنفيذ كما كشف المركز عن تراجع ملحوظ في مستوى الشفافية والتواصل بين الأحزاب والجمهور بعد الانتخابات مما يعزز من حالة الإحباط واللامبالاة لدى المواطنين أحد أبرز المؤشرات التي وردت في التقرير هو أن 65% من المواطنين يشعرون بأن وعود الأحزاب خلال الحملات الانتخابية تظل حبرًا على ورق، وأنهم لا يرون أي نتائج ملموسة على أرض الواقع
لقد أصبح من الواضح أن الأحزاب السياسية بحاجة إلى إعادة تقييم دورها بعد الانتخابات لا يمكن أن تظل الأحزاب في حالة سبات سياسي بعد فوزها حيث إن المواطن يتطلع إلى نتائج ملموسة وليس مجرد تصريحات إعلامية فارغة على الأحزاب أن تتحلى بالشجاعة والجدية في الوفاء بوعودها، وأن تضع خطة عمل واضحة تلتزم بها أمام الشعب إن غياب الإنجازات سيؤدي حتمًا إلى فقدان ثقة المواطنين في النظام السياسي برمته لذا يجب على الأحزاب أن تعمل على تحقيق التنسيق الفعّال مع الحكومات وأن تستثمر في بناء الثقة مع الشعب من خلال تعزيزالشفافيةوالمشاركةالمجتمعية لا يمكن للأحزاب أن تظل متجاهلة للمسؤولية التي تحملتها عندما حصلت على أصوات المواطنين المرحلة بعد الانتخابات هي اختبار حقيقي لمدى التزام الأحزاب بتعهداتها وفي حالة استمرار الصمت والعجز عن الإنجاز، فإن هذا لن يؤثر فقط على مصداقيتها بل سيعزز من حالة اللامبالاة التي يعاني منها العديد من المواطنين إذا لم تتحقق النتائج المرجوة ستظل الأحزاب رهينة للوعود الكاذبة ولن تساهم في أي تغيير حقيقي في المجتمع.