في عالمٍ يموج بالأزمات والتقلبات السياسية، يواجه الأردن تحديات متصاعدة تستهدف استقراره ومكانته الإقليمية، خاصة في ظل مواقفه الثابتة والداعمة للقضية الفلسطينية ، لم يكن الأردن يومًا دولة هامشية في هذا الصراع، بل شكّل عبر تاريخه سدًا منيعًا أمام محاولات تصفية الحقوق الفلسطينية، ودفع ثمن مواقفه عبر مواجهات سياسية وضغوط دولية متواصلة ، واليوم، بينما يواصل دعمه السياسي والإنساني لغزة، يجد نفسه أمام حملة تحريضية تسعى إلى زعزعة جبهته الداخلية تحت ستار "الاحتجاجات الشعبية" و"المطالب الإصلاحية" ، مع أنه ومنذ اندلاع الحرب الأخيرة على غزة، تحرك الأردن على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، حيث قاد جلالة الملك عبدالله الثاني جهودًا حثيثة على المستوى الدولي، أثمرت عن تبني الأمم المتحدة لمشروع أردني لوقف إطلاق النار ، كما جاء قرار استدعاء السفير الأردني من تل أبيب ليؤكد موقف المملكة الرافض لاستمرار العلاقات مع الاحتلال في ظل المجازر المستمرة ضد الفلسطينيين ، وهذه الخطوات لم تكن مجرد مواقف رمزية، بل تعكس سياسة سيادية ثابتة تؤكد أن الأردن لا يساوم على المبادئ ولا يخضع للابتزاز السياسي ، وإلى جانب التحركات السياسية، كان الأردن حاضرًا على الأرض عبر تقديم الإغاثة لأهل غزة، حيث سخّر إمكانياته الجوية والبرية لإيصال المساعدات الطبية والغذائية، فيما عزز المستشفى الميداني الأردني في غزة جهوده ليكون شاهدًا على التزام الأردن الإنساني قبل السياسي تجاه فلسطين ، ولم تقتصر المواجهة على الميدان الإغاثي، بل امتدت إلى الساحة الإعلامية، حيث لعب الأردن دورًا حيويًا في تفنيد الرواية الصهيونية وتوضيح الحقائق للرأي العام العالمي ، كما أن جلالة الملكة رانيا العبدالله كانت الصوت العالمي الذي كشف ازدواجية المعايير الدولية تجاه ما يحدث في غزة، وهو ما أحدث تحولًا في المواقف الدولية وأدى إلى فضح النفاق السياسي لبعض القوى الكبرى ، ولكن مع كل خطوة يحققها الأردن على الصعيدين السياسي والإنساني، تتزايد حملات التحريض التي تحاول استغلال منصات التواصل الاجتماعي لنشر الفتنة وإثارة الفوضى تحت شعارات "الإصلاح" و"الحقوق الشعبية" ، في الوقت الذي لا ينكر فيه احد أهمية حرية التعبير، لكنها تتحول إلى خطر حقيقي عندما تصبح أداة بأيدي قوى خارجية تسعى لضرب استقرار الدولة ، من خلال محاولات جرّ الشارع إلى الفوضى، واستغلال النساء في الاعتصامات بأساليب غير أخلاقية، ليست سوى تكتيكات مكشوفة تهدف إلى تفكيك الجبهة الداخلية وإضعاف الموقف الوطني الأردني ، و
رغم هذه المحاولات، أثبت الأردنيون عبر التاريخ أنهم أكثر وعيًا وإدراكًا للمخططات التي تحاك ضدهم ، فقد شهدوا مرارًا كيف يتم التلاعب بالمطالب الشعبية لأغراض سياسية خفية، وكيف تسوّق بعض الجهات الفوضى تحت مسمى "الإصلاح" ، لكنهم يدركون جيدًا أن استقرار الأردن هو الأساس لأي إصلاح حقيقي، وأن الفوضى لا تخدم إلا أولئك الذين يسعون لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الوطن ، ولقد كان الأردن وفلسطين كيانًا واحدًا قبل أن تحاول السياسة الدولية فرض التقسيمات والحدود ، وبعد التقسيمات والحدود امتزجت الدماء في معركة الكرامة، وامتزجت الأنساب بالمصاهرة، فأصبح هناك من عمّه فلسطيني وخاله أردني، ومن عمّه أردني وخاله فلسطيني ، فكيف يمكن لأي خطاب تحريضي أن يقف أمام هذه الحقيقة؟!! وكيف يمكن لمن يدّعون الحرص على القضية أن يتجاهلوا أن الأردن قدّم الملك المؤسس عبدالله الأول شهيدًا على عتبات المسجد الأقصى، وقدّم خيرة ضباطه وجنوده دفاعًا عن فلسطين؟!! هذه العلاقة ليست مجرد تحالف سياسي، بل هي رابطة وجودية تفرض نفسها على أي نقاش حول مستقبل المنطقة ، وقد يراهن البعض على زعزعة الاستقرار، لكن الأردن، بقيادته وشعبه، أثبت مرارًا أنه أقوى من كل المؤامرات ، وإن الرهان الحقيقي ليس على من يصرخون في الشوارع، بل على من يبنون هذا الوطن، ويحافظون على أمنه واستقراره ، فالإصلاح الحقيقي لا يأتي من الفوضى، ولا يُفرض عبر شعارات جوفاء، بل ينبع من استقرار الدولة وحكمة قيادتها وإرادة شعبها ، الأردن كان، وما زال، وسيظل حصنًا منيعًا ضد كل من يحاول النيل من وحدته ومكانته، لأن ثوابته الوطنية ليست قابلة للمساومة، ولأن وعي شعبه هو السلاح الأقوى في وجه أي محاولة لإثارة الفوضى أو بثّ الفرقة بين أبنائه . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .