في خطوة جريئة، دعت قطر إلى إخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للرقابة الدولية، مما أثار ردود فعل غاضبة في إسرائيل، حيث اعتبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هذه المطالبة بمثابة "ضربة تحت الحزام" و"هجوم قطري غير مسبوق" ، ورغم هذا الاهتمام الإعلامي، التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت، استمرارًا لسياستها المتمثلة فيما يسمى "الغموض النووي"، وهي استراتيجية تهدف إلى ترهيب خصومها بردع غير مُعلن رسميًا، لكنها واضحة المعالم للجميع ، لكن ما يجعل هذه القضية أكثر خطورة ليس مجرد امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، بل سياقها السياسي والعسكري المتغير ، فإسرائيل، التي تخوض حروبًا متعددة وتتبنى عقيدة عسكرية هجومية، قد تجد نفسها في يوم ما على حافة استخدام هذا السلاح، سواء بدوافع انتقامية أو نتيجة لقرار استراتيجي محسوب أو غير محسوب ، في الوقت الذي يؤكد فيه تقرير المعهد الدولي لدراسات السلام (2024) أن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 90 رأسًا نوويًا، ويُرجح أن العدد الحقيقي قد يتجاوز 200 قنبلة نووية، مع استمرارها في تطوير قدراتها النووية ، وهذه الترسانة لا تشكل تهديدًا نظريًا فحسب، بل هي خطر داهم، لا سيما في ظل التصعيد المستمر في المنطقة والتوجه الإسرائيلي المتزايد نحو الحلول العسكرية العنيفة ، وفي تقديرنا أن
هناك ثلاثة عوامل رئيسية تجعل النووي الإسرائيلي تهديدًا أكثر خطورة من أي وقت مضى:
1. انهيار القيود الأخلاقية بعد الحرب على غزة ، وقد
أثبتت الأحداث الأخيرة أن القيادة الإسرائيلية لم تعد تتردد في اللجوء إلى العنف المفرط ، ومن سهل عليها ارتكاب الإبادة الجماعية، لهذا لن يكون بعيدًا عنها التفكير في استخدام أسلحة الدمار الشامل إذا رأت أن ذلك يخدم أهدافها.
2. تطرف القيادة الإسرائيلية وغياب العقلانية ، فالقيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل أصبحت أكثر تطرفًا، وبعضها يحمل أفكارًا دينية متشددة تؤمن بـ"الخلاص بالقوة" ، وهذا يرفع من احتمالية اتخاذ قرارات متهورة، قد تشمل اللجوء إلى السلاح النووي تحت مبررات أمنية غير عقلانية.
3. الشيخوخة الخطيرة لمفاعل ديمونا ، سيما وأن منشأة ديمونا النووية، التي مضى على تشغيلها 60 عامًا، تمثل قنبلة موقوتة ، فالمفاعل قديم، ومعد للعمل لـ40 عامًا فقط، وهو قريب من منطقة زلازل نشطة قد تؤدي إلى كارثة إشعاعية تمتد آثارها إلى الأردن، الضفة الغربية، غزة، وسيناء ، لهذا فإن غياب الرقابة الدولية يجعل من المستحيل تقييم المخاطر بدقة، لكنه يزيد من ضرورة التحرك لمنع وقوع كارثة محتملة.
والملفت هنا تلك المفارقة العربية ، التي جعلت النووي الإيراني تحت المجهر ، والنووي الإسرائيلي بمنأى عن النقد ، وهذه من المفارقات العجيبة أن العالم العربي يولي اهتمامًا هائلًا ببرنامج إيران النووي، بينما يتجاهل تمامًا النووي الإسرائيلي القائم فعليًا ، لا بل يُثار جدل واسع حول مخاطر امتلاك إيران لسلاح نووي، لكن نادراً ما يُطرح السؤال: لماذا يُعتبر امتلاك إسرائيل لهذا السلاح أمرًا طبيعيًا ؟!!
علما بأن منع إيران من تطوير سلاح نووي لا يكفي لتحقيق أمن المنطقة، بل على العكس، قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي ، فبقاء إسرائيل كالقوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط سيدفع دولًا أخرى مثل تركيا، مصر، وربما السعودية إلى التفكير بجدية في امتلاك السلاح ذاته ، لذلك، المصلحة العربية الحقيقية تكمن في شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية بالكامل، بما في ذلك إسرائيل ، وهنا قد يتساءل البعض : ما المطلوب الآن؟! وللإجابة نقول : المطلوب حملة إقليمية ودولية لإنهاء الغموض النووي الإسرائيلي ، والتصدي للخطر النووي الإسرائيلي لا يجب أن يكون مجرد خطاب سياسي عابر، بل يتطلب حملة دبلوماسية مكثفة، تنخرط فيها الدول العربية والإسلامية، إلى جانب الدول الداعمة لحظر الأسلحة النووية عالميًا ، لا بل
يجب اتخاذ خطوات عملية تشمل:
1. تفعيل الجهود الدبلوماسية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، والضغط لفرض رقابة دولية صارمة على المنشآت النووية الإسرائيلية ، وفرض عقوبات على إسرائيل إن لم تمتثل لهذه الرقابة.
2. طرح الملف في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، و
تقديم مشروع قرار يطالب بجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية ، مع
توثيق المخاطر المحتملة لمفاعل ديمونا والمطالبة بتقييم هندسي دولي له.
3. إشراك القوى الكبرى ، و
مطالبة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتبني نهج أكثر توازنًا في التعامل مع الملف النووي في المنطقة ، و
التأكيد على أن التغاضي عن النووي الإسرائيلي سيؤدي إلى انهيار معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ، وفي ظل العقيدة العسكرية الإسرائيلية الهجومية، والقيادة السياسية المتطرفة، والمخاطر البيئية لمفاعل ديمونا، بات من الضروري كسر الصمت العربي والدولي بشأن النووي الإسرائيلي ، فاستمرار تجاهل هذه القضية لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، وربما إلى كارثة نووية تهدد المنطقة بأكملها ، بالتالي المطلوب ليس مجرد بيانات وتصريحات، بل تحرك منسق وجاد لنزع السلاح النووي الإسرائيلي قبل أن فوات الأوان ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .