تمثل الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي محطة جديدة في تاريخ الصراع الأميركي-الإيراني، الذي يتجاوز حدوده الثنائية ليشكل أحد أبرز محاور الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط ، لم تكن هذه الرسالة مجرد خطاب دبلوماسي، بل حملت في طياتها إنذارًا شديد اللهجة ومهلة محددة، ما يعكس محاولة واشنطن إعادة ضبط المعادلة النووية وفق شروطها ، لكن، في المقابل، أظهرت طهران ثباتًا في موقفها، مؤكدة أنها لن تخضع للضغوط ، وبين الإنذار الأميركي والرفض الإيراني، تبرز أسئلة جوهرية حول موازين القوة، وحدود التصعيد، وإمكانية الوصول إلى تسوية أو مواجهة مفتوحة ، وأول هذه الأسئلة: رسالة ترامب ، هل هي تحذير أم إعادة تموضع؟! وبحسب تقرير موقع "أكسيوس"، فإن الرسالة تضمنت مهلة شهرين لإيران من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وإلا ستواجه "عواقب وخيمة" ، وهذا التحذير جاء في سياق تصعيدي متواصل، أعادت فيه إدارة ترامب العمل بسياسة "الضغوط القصوى" منذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018 ، لكن الرسالة لم تكن مجرد تهديد، بل تخللها، وفقًا لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إشارات إلى "فرص" متاحة للتفاوض، وهو ما يعكس مقاربة مزدوجة تتراوح بين الترهيب والترغيب ، و
ترامب، في حديثه لشبكة فوكس بيزنس، أقر بإرسال الرسالة، مؤكدًا أنه أخبر الإيرانيين بأن عدم التفاوض قد يؤدي إلى تدخل عسكري "مروع" ، وهذه الصياغة تكشف عن رغبة واشنطن في استخدام "شبح الحرب" كورقة ضغط لدفع طهران إلى الطاولة، لكن دون الإقدام الفوري على مواجهة مباشرة، وهو نهج لطالما ميز سياسات ترامب الخارجية ، وجاء الرد الإيراني متحفظًا ومشروطًا ، حيث أعلنت طهران أنها ستدرس الرسالة وسترد عليها بالطريقة المناسبة، لكن تصريحات المسؤولين الإيرانيين أوضحت أن طهران لا تقبل التفاوض تحت الضغوط ، و وزير الخارجية عباس عراقجي أكد أن بلاده ترى في الرسالة مزيجًا من التهديدات والفرص، لكنها لن تدخل في أي حوار ما لم تتوفر "ظروف متكافئة" ، هذه التصريحات تكرّس الموقف الإيراني التقليدي الذي يرى في العقوبات وسيلة للإكراه، وليست أداة تفاوضية مقبولة ، في حين أن المرشد الإيراني علي خامنئي حسم الجدل سريعًا برفضه العروض الأميركية، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي لواشنطن هو فرض إرادتها على طهران ، وبهذا الرفض، رسمت القيادة الإيرانية خطًا أحمر أمام أي مساعٍ أميركية لإعادة صياغة الاتفاق النووي بشروط جديدة ، ويتضح من خلال القراءة المتأنية للرسالة بأن الرسالة
لم تكن موجهة فقط إلى إيران، بل جاءت في سياق إقليمي أكثر تعقيدًا ، سيما وأنه وقبل إرسالها، أطلع البيت الأبيض حلفاءه الرئيسيين، على مضمونها، في إشارة إلى أن واشنطن تسعى إلى تنسيق مواقفها مع حلفائها قبل أي تحرك جديد ، وهذا التنسيق يعكس إدراك واشنطن لحجم التداخل بين الملف النووي الإيراني والمعادلات الإقليمية، حيث تخشى دول الخليج وإسرائيل أن يؤدي أي اتفاق جديد إلى تعزيز نفوذ إيران ، ومن جهة أخرى، تتابع القوى الدولية الكبرى، مثل روسيا والصين وأوروبا، هذا التوتر بقلق، إذ لا تزال هذه الدول تدعم العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي، وترى في التصعيد الأميركي-الإيراني تهديدًا للاستقرار الدولي ، و
في موازاة هذا السجال الدبلوماسي، تتزايد المخاوف من التطورات في البرنامج النووي الإيراني ، فقد حذرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران سرعت تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%، وهي نسبة تقربها من العتبة اللازمة لإنتاج سلاح نووي ، بينما تؤكد طهران أن برنامجها النووي سلمي، ترى الدول الغربية أن هذه الخطوة لا تتناسب مع أي احتياجات مدنية معلنة ، وهذا التطور يزيد من تعقيد المشهد، إذ أنه يمنح إيران ورقة ضغط إضافية، لكنه في المقابل يضعها في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية التي قد تعتبر هذا التقدم مبررًا لتشديد العقوبات أو حتى التفكير في خيارات أكثر تصعيدًا ، وفي ظل المعطيات الحالية، يبدو أن الصراع الأميركي-الإيراني يراوح بين ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1. التصعيد التدريجي: استمرار سياسة العقوبات والضغوط من جانب واشنطن، مع ردود فعل إيرانية متزايدة، مثل تسريع البرنامج النووي أو تكثيف الأنشطة الإقليمية، ما قد يؤدي إلى توترات أمنية جديدة في الخليج والشرق الأوسط.
2. العودة إلى طاولة التفاوض بشروط جديدة: وهو احتمال ضعيف في ظل الرفض الإيراني الحالي، لكنه قد يصبح أكثر واقعية إذا تغيرت الظروف، سواء نتيجة وساطات دولية أو تغيرات داخلية في الولايات المتحدة أو إيران.
3. المواجهة المباشرة: رغم أن الطرفين لا يريدان حربًا شاملة، إلا أن أي خطأ في الحسابات أو حادث غير متوقع قد يشعل فتيل مواجهة عسكرية، خاصة في ظل التوترات القائمة في المنطق .
وتكشف رسالة ترامب إلى إيران عن استمرار لعبة الشد والجذب بين الطرفين، حيث يسعى كل منهما لفرض شروطه دون تقديم تنازلات جوهرية ، بينما تعتمد واشنطن على سياسة الضغط الأقصى، وفي المقابل تراهن طهران على صمودها وإمكانية تغيير الموازين بمرور الوقت ، لكن في النهاية، يظل السؤال الأهم: هل يمكن للطرفين كسر هذه الحلقة المفرغة من التصعيد المتبادل، أم أن الأزمة النووية ستظل قنبلة موقوتة تهدد استقرار المنطقة والعالم ؟!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .