الغاية الوطنية الكبيرة من وجود قانون لوزارة في قطاع ما، هي حماية هذا القطاع ودعم سيادته، إن كان محط منافسة من قبل أي قطاع خارجي مشابه، ويتجلى هذا كله في قوانين وزارة الزراعة، التي كانت تعاني قبل سنوات من حالة قصور، جاثمة، وتستمد بقاءها وديمومتها من ثقافة متأصلة، ريعية في أغلب الأحوال، وتعتمد على الدولة، أكثر من اعتمادها على المبادرة ومجاراة السوق، والتنافسية التي تعتبر سلاحا ذو حدين بالنسبة للقطاعات الأخرى التي تتشابك مع قطاع الزراعة، فالمستهلك مثلا، يريد ان يحصل على منتج ذي جودة مقبولة، وبسعر مناسب، ولا يهتم لمصدر هذا المنتج أو السلعة، بينما التاجر، يريد أن يبحث خارج الأردن او داخله عن سلعة مقبولة وذات كلفة قليلة بالنسبة لسعرها وظروف نقلها وتخزينها، وضمان حرية وسلاسة تسويقها، ومن خلال هذه «العلاقة الجدلية» بين الأطراف الثلاثة، قدمت وزارة الزراعة حلولا خلاقة، كان لها بالغ الأثر على تطوير ثقافة قطاع الزراعة، وأبدعت في إيجاد فرص كثيرة على هامش هذا القطاع، كالتصنيع الزراعي الغذائي وفتح الأسواق الجديدة، والتوسع في زراعة محاصيل «العجز» كانت زراعتها صعبة، والترشيد أو التقليل من زراعة محاصيل أخرى، وكانت وما زالت وزارة الزراعة تقدم المبادرة والفكرة والاجتهاد، بشكل منطقي موضوعي يراعي المعادلة التي تضمن أفضل الفوائد لثالوثها الوطني او المحلي (المزارع، المستهلك، التاجر).
الموضوعية والمنطق في سياسة وزير ووزارة الزراعة، تتجلى بوضوح في الخطة او الاستراتيجية الوطنية لزراعة مستدامة، فهي برنامج عمل للوزارة، حدد أهدافا واضحة، وتوقيتات لتنفيذها، وقبل هذا درست تأثير هذه الأهداف على قطاع الزراعة وبناه التحتية، وتوسعت أفقيا في تأسيس بنية جديدة، تعتمد على إشراك القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع، فدشنت جسورا جديدة بين قطاعات كالصناعة والتجارة والبحث العلمي وغيرها، وقدمت مجالا فسيحا للمواطن العادي، لا سيما الباحثين عن العمل، او الراغبين بتحسين مستوى دخلهم المالي لتحسين حياتهم، من خلال تدشين مشاريعهم الخاصة، وتوفير فرص اقتراض بلا فوائد أو بفائدة قليلة، كنوع من الدعم الحكومي لهؤلاء.
المثال الواضح الذي يفهمه أي شخص منطقي، والذي يعبر عن حماية المنتج الزراعي المحلي، وهو المثال الذي قرأه جلالة الملك بطريقة ذكية ومؤثرة، هو (اختبار كورونا).. او هكذا يمكنني تسميته، حيث برزت أهمية المزارع المحلي وأهمية المنتج المحلي، في وقت قامت فيه الدول المنتجة، والتي تسيطر على الأسواق العالمية، باغلاق حدودها، الأمر الذي ادى إلى اختفاء الطعام او ندرته في الأسواق، وارتفاع تكاليف نقله نتيجة للإغلاقات العالمية، والحظر القسري، فبرز قطاعنا الزراعي المحلي بشكل مؤثر، وحقق وفرة في الغذاء، خففت كثيرا من تأثير جموح الأسعار العالمية وندرة السلع، ومن هناك انطلقت فكرة مزيد من الحماية للمزارع الأردني والمشاريع الاستثمارية المحلية الأردنية، وللمنتجات الزراعية الأردنية، وتم تتويج كل هذا من خلال مجلس الأمن الغذائي، الذي يضم في عضويته كل المؤسسات الرسمية والوطنية المعنية بتنظيم وتحقيق أمن غذائي أردني، حيث لم يعد موضوع الأمن الغذائي مجرد تنظير و»تشبير»، وتحليق في الفراغ.
المؤسسية التي تنتهجها وزارة الزراعة، استدعت إيجاد تشريعات وقوانين، وكيانات قانونية، غيرت وما زالت تغير في تلك الثقافة التي كانت سائدة في القطاع الزراعي، وعلى هامشه، وما زالت النتائج الإيجابية تتوالى تباعا، لأن الوزارة ومن خلال خطتها الوطنية المبرمجة، انتهت تقريبا من تدشين بنية تحتية لقطاع زراعي واعد وذكي وقابل للاستدامة، وفيه أمان واستقرار لرأس المال المستثمر في هذا المجال.