زاد الاردن الاخباري -
كتب : الدكتور احمد الوكيل - ما زال ملف ترشيق القطاع العام وإعادة هيكلة الإدارة الحكومية يراوح مكانه رغم التوجيهات الملكية الواضحة بضرورة تحديث الإدارة العامة وضخ دماء جديدة في المناصب القيادية. في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية وإدارية متزايدة، كان جلالة الملك عبد الله الثاني قد أكد مرارًا على أهمية إصلاح القطاع العام، داعيًا إلى تطوير الأداء المؤسسي وتفعيل آليات الكفاءة والمحاسبة في إدارة المؤسسات الحكومية.
ورغم تلك التوجيهات، لم تشهد الحكومة حتى اللحظة استجابة حاسمة لهذه الدعوات، بل يلاحظ تباطؤ واضح في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق هذه الإصلاحات. وهذا ما يثير تساؤلات كثيرة في الأوساط السياسية والشعبية حول مدى جدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المنشودة.
الخطوة التي قام بها مجلس النواب، بتقديم مذكرة نيابية وقّع عليها 61 نائبًا بقيادة النائب عبد الرؤوف الربيحات، طالبت الحكومة بضرورة تحديد مدة شغل المناصب القيادية في الدولة بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. هذه المذكرة، التي تترجم رغبة قوية في تحديث القيادة العامة وإعادة الحيوية للعمل الحكومي، لاقت دعمًا واسعًا من النواب الذين يرون في هذه الخطوة سبيلًا لتحقيق الكفاءة والحوكمة الحقيقية في الإدارة العامة.
لكن على الرغم من الأهمية البالغة لهذه المذكرة، التي تم رفعها رسميًا من رئيس مجلس النواب إلى رئيس الوزراء، لا يبدو أن الحكومة قد تحركت بشكل ملموس لتنفيذ هذه المطالب حتى الآن. ويظل السؤال الأبرز: هل ستستجيب الحكومة لهذه المطالب الإصلاحية الجادة، أم ستواصل تجاهلها كما حدث مع مطالب سابقة التي لم تجد لها طريقًا للتنفيذ؟
إن التباطؤ الحكومي في الاستجابة لهذه المذكرة يثير القلق بشأن جدية التوجهات الحكومية نحو الإصلاح. فالحاجة إلى تحديث القيادات في المؤسسات الحكومية وتقديم فرص جديدة للكوادر الشابة باتت ضرورة ملحة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. وفي ظل استمرار بعض المسؤولين في مواقعهم لسنوات طويلة دون محاسبة أو تقييم حقيقي، يكرس ذلك حالة من الجمود الإداري الذي يعوق أي خطوات إصلاحية حقيقية.
إعادة هيكلة القطاع العام لا تتطلب فقط تغييرات في الأفراد الذين يشغلون المناصب القيادية، بل يجب أن تشمل أيضًا وضع أسس وآليات تضمن الكفاءة والشفافية في عملية التعيين والترقيات. ولعل أهم هذه الأسس هو تحديد مدة شغل المناصب القيادية، وهو ما تدعو إليه المذكرة النيابية. فوجود آلية محددة لضمان تجديد الدماء في المناصب القيادية كل أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، سيكون له دور كبير في تحفيز العمل الحكومي، وفتح المجال للكفاءات الجديدة التي تحمل أفكارًا وابتكارات جديدة قد تسهم في تحسين الأداء العام للقطاع الحكومي.
من جانب آخر، فإن تجاهل هذه المطالب سيثبت أن الإصلاح الإداري ليس سوى شعارات ترددها الحكومة من وقت لآخر، بينما يبقى الواقع كما هو دون تغيير يذكر. وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الإحباط في الشارع الأردني، حيث يطالب المواطنون بتحقيق إصلاحات حقيقية في جميع المجالات، بدءًا من تحسين الخدمات العامة وصولاً إلى تحقيق العدالة في توزيع الفرص وتطوير القطاع العام.
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة النيابية في دفع عجلة الإصلاح، فإن الحكومة مطالبة بتوضيح خطتها العملية لهذا الملف. هل هي بصدد اتخاذ قرارات حاسمة تتماشى مع التوجيهات الملكية، أم أن الإصلاح سيظل مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق؟ فعدم الاستجابة لمطالب النواب، رغم دعمها الواسع في مجلس النواب، سيعتبر اختبارًا لجدية الحكومة في تنفيذ الإصلاحات التي تشكل أولوية استراتيجية في المرحلة المقبلة.
إن استمرار الوضع الراهن، حيث يتناوب نفس الأشخاص على المناصب القيادية دون إجراء تقييم حقيقي لأدائهم، سيؤدي إلى استمرار الجمود المحبط في المؤسسات الحكومية. وهذا يتناقض مع التوجيهات الملكية الساعية إلى تحسين الأداء الإداري والتخلص من المحسوبية والواسطة التي تعيق الوصول إلى الكفاءات الحقيقية في القطاع العام.
إن المذكرة النيابية لا تقتصر على مطالبة الحكومة بإجراء تغييرات في التعيينات فقط، بل تسعى إلى تطبيق معايير حديثة تضمن نزاهة وكفاءة الإدارة الحكومية. هذه المعايير تشمل وضع آليات واضحة للتعيين والترقية في المناصب العليا، بالإضافة إلى ضمان المساءلة والمحاسبة المستمرة لكل مسؤول في القطاع العام. لذلك، فإن تجاوب الحكومة مع هذه المذكرة سيعكس استعدادها الفعلي لإجراء تغييرات جوهرية في الهيكل الإداري للدولة.
هل ستكون هذه المذكرة بداية مرحلة جديدة من التغيير الفعلي؟ أم ستظل محض حبر على ورق مثل العديد من المطالب التي سبق وتم تجاهلها؟ الإجابة على هذا السؤال سيتضح قريبًا، ومن شأنها أن تحدد ما إذا كانت الحكومة جادة في تحقيق إصلاحات حقيقية، أم أنها ستواصل سياسة التسويف التي تثير الاستياء العام.
ناشر ومؤسس وكالة زاد الاردن الاخبارية
نائب رئيس معهد قادة السلام الدوليين - امريكا