يُعتبر الحديث النبوي الشريف "الولد للفراش وللعاهر الحجر" قاعدة شرعية أساسية في تحديد النسب في الإسلام، حيث يهدف إلى حماية مؤسسة الأسرة واستقرارها ، غير أن هذا التشريع، رغم وضوحه في تحديد المسؤوليات الأبوية، يثير تساؤلات في العصر الحديث حول مصير الطفل المولود خارج إطار الزواج وحقوقه الاجتماعية والقانونية ، في المقابل فإن تجاهل حقوق هؤلاء الأطفال لا يؤدي فقط إلى ظلم فردي بل يشكل تهديدًا واسع النطاق على استقرار المجتمع، إذ يتسبب في تهميش فئة اجتماعية بأكملها ويدفع بها نحو ظروف معيشية غير إنسانية ، من هنا، تأتي ضرورة التوفيق بين الأحكام الشرعية ومتطلبات العدالة الاجتماعية، لضمان عدم تحميل الأطفال وزر أخطاء آبائهم ، ولكي نفهم الحديث النبوي بشكل دقيق، من الضروري توضيح معنى "العاهر الحجر" ، يشير مصطلح "الحجر" في اللغة إلى المنع والحرمان، مما يعني أن الزاني لا حق له في نسبة الطفل إليه ، هذه القاعدة الشرعية تؤكد على مبدأ حماية الفراش الزوجي من أي ادعاءات خارجية قد تهدد استقرار الأسرة ، لكن "الحجر" لا يُقصد به فقط إنكار نسب الطفل للزاني، بل يحمل أيضًا دلالات عقابية لمن يحاول انتهاك قدسية العلاقة الزوجية عبر إغواء الزوجة وإفساد الحياة الأسرية ، إنه ليس مجرد حكم فقهي، بل إجراء يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وردع الفساد الأخلاقي ، و
رغم أن الشريعة الإسلامية تؤكد أن النسب يُثبت للفراش، إلا أنها لم تهمل حقوق الأطفال، بغض النظر عن ظروف ولادتهم ، فالإسلام يُلزم المجتمع والدولة برعاية جميع الأطفال، حيث قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" ، وهذا يشمل توفير بيئة صحية للطفل، وتعليمه، وحمايته من الاستغلال والتهميش ، إلا أن التحدي يكمن في التطبيق العملي لهذه المبادئ، خاصة في المجتمعات التي لا توفر إطارًا قانونيًا واضحًا يضمن حقوق هؤلاء الأطفال ، فحرمانهم من حقوقهم الأساسية لا يتناقض فقط مع قيم الإسلام، بل يهدد بخلق فئات اجتماعية غير متكافئة تعاني من الإقصاء والتمييز ، بالتالي فإن تجاهل حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج يؤدي إلى مشكلات اجتماعية خطيرة، منها:
1. ارتفاع معدلات الفقر والتشرد: الأطفال الذين لا يتمتعون بحماية قانونية يصبحون أكثر عرضة للتشرد والحرمان الاقتصادي، مما يزيد من معدلات الجريمة والتسول .
2. الأثر النفسي والاجتماعي: يعاني هؤلاء الأطفال من مشكلات نفسية نتيجة التمييز المجتمعي، مما قد يدفعهم إلى العزلة أو العنف .
3. انتشار الجريمة والتطرف: غياب الهوية القانونية والدعم الاجتماعي يدفع العديد من الأطفال إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية، أو استقطابهم من قبل الجماعات المتطرفة.
بينما ينص الإسلام على حقوق الطفل، فإن بعض القوانين المدنية لا تعترف بهؤلاء الأطفال كمواطنين يتمتعون بكامل الحقوق، مما يطرح إشكاليات عديدة، مثل:
حرمانهم من الهوية القانونية.
عدم حصولهم على الميراث أو الحقوق المالية.
غياب التشريعات التي تحميهم من التمييز المجتمعي.
ومن هنا، يصبح من الضروري وضع قوانين توازن بين المبادئ الشرعية ومتطلبات العدالة الحديثة، بحيث يُضمن للطفل الحد الأدنى من الحقوق الأساسية بغض النظر عن ظروف ولادته.
ولا بد هنا من تقديم مقترحات لحل الأزمة ، ولمعالجة هذه الإشكالية، من خلال اتخاذ عدة خطوات:
1. إصلاح التشريعات القانونية: يجب تحديث القوانين بحيث تعترف بحقوق جميع الأطفال، بغض النظر عن نسبهم، مع احترام القواعد الشرعية.
2. نشر الوعي المجتمعي: لا بد من تعزيز ثقافة تقبل الأطفال المولودين خارج الزواج، ومعاملتهم بعدالة.
3. دعم الأمهات العازبات: يجب توفير الدعم القانوني والاجتماعي للأمهات اللاتي يجدن أنفسهن مسؤولات عن تربية أطفالهن بمفردهن.
4. تعزيز دور المؤسسات الدينية والحقوقية: يجب أن يكون لرجال الدين والمجتمع المدني دور أكبر في توعية الناس حول هذه القضية.
ويبقى الحديث النبوي الشريف "الولد للفراش وللعاهر الحجر" يُشكل قاعدة واضحة في النسب، لكنه لا يعني أن يُحرم الطفل من حقوقه المدنية ، الإسلام دين عدالة ورحمة، ويجب أن تنعكس هذه القيم في التعامل مع جميع الأفراد، بغض النظر عن الظروف التي وُلدوا فيها ، وإن تحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية يقتضي أن يحصل كل طفل على حياة كريمة، وأن يتم وضع آليات قانونية وإنسانية لحمايته من التهميش ،وكيف لمجتمع يسعى إلى الإنصاف أن يرفض منح حقوقه لأضعف فئاته؟ ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .