منذ عقود، انتهجت إيران استراتيجية دقيقة ومدروسة لترسيخ نفوذها في العالمين العربي والإسلامي، مستخدمةً مزيجًا من الأدوات السياسية، والأيديولوجية، والاقتصادية، والعسكرية ، هذا النفوذ لم يكن مجرد امتداد لنظرية تصدير الثورة فحسب، بل تحول إلى شبكة مصالح متداخلة عززت النفوذ الإيراني في العديد من الدول، مما جعلها لاعبًا إقليميًا ودوليًا مؤثرًا في قضايا الشرق الأوسط والإسلام السياسي ، والسؤال : ما هي الأدوات التي استخدمها اللوبي الإيراني لترسيخ حضوره؟! وكيف تمكنت طهران من بناء نفوذ في الدول العربية والإسلامية؟! وما تداعيات ذلك على المنطقة؟!
يعتمد النفوذ الإيراني على مزيج من الاستراتيجيات التي تمزج بين القوة الناعمة والقوة الصلبة، وتشمل ما يلي:
1. التغلغل الأيديولوجي والطائفي ، وقد سعت إيران إلى استخدام الأيديولوجيا كأداة لنشر نفوذها عبر توظيف البعد الطائفي، حيث دعمت جماعات وتيارات دينية موالية لها في العديد من الدول، خاصة ذات التركيبة المجتمعية المتعددة ، وعملت على نشر فكر "ولاية الفقيه" عبر قنوات إعلامية ومؤسسات دينية وتعليمية، مما ساعدها على كسب أتباع ومناصرين في عدة دول عربية وإسلامية.
2. الشبكات الاقتصادية والاستثمارات ، فأنشأت إيران علاقات اقتصادية واسعة، حيث استخدمت الشركات والكيانات المالية لنقل الأموال إلى حلفائها وتعزيز وجودها في الأسواق العربية ، ودعمت تجارة غير مشروعة كتهريب النفط والسلع، مما وفر لها مصدرًا مهمًا للتمويل بعيدًا عن العقوبات الدولية.
3. الدعم العسكري واللوجستي ، ودعمت إيران ميليشيات مسلحة في عدة دول عربية، أبرزها حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والفصائل المسلحة في العراق وسوريا، مما منحها نفوذًا عسكريًا مباشرًا داخل هذه الدول ، واستثمرت في تطوير الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، والتي زودت بها حلفاءها في المنطقة لتعزيز موقفهم ضد الحكومات والخصوم.
4. الإعلام والدعاية ، وتمتلك إيران شبكة إعلامية ضخمة تتضمن قنوات فضائية وصحفًا ومواقع إلكترونية ناطقة بعدة لغات، تُستخدم للترويج لسياستها ورؤيتها في المنطقة ، واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال لبث الدعاية السياسية والتأثير على الرأي العام، مستغلة الحروب السيبرانية وتوظيف الجيوش الإلكترونية.
5. النفوذ في المؤسسات السياسية والبيروقراطية ، و
عملت إيران على بناء علاقات قوية مع شخصيات سياسية مؤثرة في الدول العربية والإسلامية، مستغلة علاقات تجارية أو أيديولوجية ، و
تسللت إلى بعض المؤسسات البيروقراطية والحكومية عبر نفوذ اقتصادي ومالي، مما مكنها من التأثير على القرارات السياسية.
وأبرز مناطق النفوذ الإيراني في العالم العربي والإسلامي :
1. لبنان: النفوذ الأكثر وضوحًا ، ويعتبر حزب الله الذراع الأبرز لإيران في المنطقة، حيث أصبح فاعلًا رئيسيًا في السياسة اللبنانية، ويمتلك قدرات عسكرية تفوق الجيش اللبناني نفسه ، وتستخدم إيران لبنان كقاعدة عمليات سياسية وعسكرية ضد إسرائيل، وكمركز لنقل الأسلحة إلى سوريا وفلسطين.
2. العراق: الاختراق السياسي والعسكري ، فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، تمكنت إيران من التغلغل في العراق عبر دعم ميليشيات شيعية، وأحزاب سياسية موالية لها ، وأصبحت إيران لاعبًا رئيسيًا في تحديد مسار الحكومات العراقية المتعاقبة، ونجحت في إبقاء العراق داخل دائرة نفوذها الاقتصادي والعسكري.
3. اليمن: النفوذ عبر الحوثيين ، ودعمت إيران الحوثيين عسكريًا ولوجستيًا، مما منحهم القدرة على فرض نفوذهم في شمال اليمن وتهديد الأمن الإقليمي عبر استهداف السعودية والإمارات بالصواريخ والطائرات المسيرة ، وتحاول إيران استخدام اليمن كورقة ضغط في المفاوضات الإقليمية والدولية، مستفيدة من استمرار الحرب.
4. سوريا: التحالف العسكري العميق ، ودعمت إيران نظام بشار الأسد منذ اندلاع الحرب السورية، وقدمت مليشيات مسلحة مثل الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس ، و
استثمرت في مشاريع إعادة الإعمار لتعزيز حضورها الاقتصادي بعد انتهاء الحرب.
5. دول الخليج: محاولات التسلل والتأثير ، وحاولت إيران اختراق بعض دول الخليج عبر دعم خلايا تابعة لها، كما حدث في البحرين والكويت، لكنها واجهت مقاومة أمنية قوية ، واستمرت في استخدام وسائل الإعلام والدعاية الإلكترونية لمحاولة التأثير على الاستقرار الداخلي لبعض الدول الخليجية . والسؤال الذي يطرحه السياق: ما التداعيات الإقليمية والدولية للنفوذ الإيراني ؟! وللإجابة نقول :
1- أدى النفوذ الإيراني إلى خلق محاور إقليمية متصارعة، حيث تواجه طهران معارضة قوية من الدول العربية الكبرى، وعلى رأسها السعودية والإمارات ، و
تصاعدت الحروب بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، مما أدى إلى إطالة أمد النزاعات وزيادة الخسائر البشرية والاقتصادية.
2. تهديد الأمن القومي العربي ، حيث ساهم دعم إيران للميليشيات المسلحة في زعزعة استقرار الدول العربية، مما أثر على سيادة الحكومات الشرعية وأضعف الأمن الداخلي ، واستُخدمت الأراضي العربية كساحة حرب لتحقيق أجندات إيرانية، مما أدى إلى تقويض التنمية والاستقرار في المنطقة.
3. تأثير على العلاقات الدولية ، وقد أدى النفوذ الإيراني إلى تعقيد العلاقات العربية مع القوى الكبرى، حيث تحولت المنطقة إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى ، ودفعت الدول العربية إلى البحث عن تحالفات جديدة لمواجهة النفوذ الإيراني، مثل الاتفاقيات الدفاعية مع القوى الغربية وإسرائيل ، ولا شك أن النفوذ الإيراني في العالمين العربي والإسلامي أصبح واقعًا معقدًا ومتجذرًا، لكنه ليس غير قابل للمواجهة ، فهناك عدة استراتيجيات يمكن للدول العربية والإسلامية تبنيها للحد من التمدد الإيراني، منها تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتفعيل الدبلوماسية الإقليمية، وتطوير القدرات الدفاعية، بالإضافة إلى توحيد الجبهتين العربية والإسلامية ...!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .