يواجه الأردن تحديات متراكمة تتطلب إصلاحات جذرية لضمان استقراره السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ومع ارتفاع الدين العام، وتزايد البطالة، والضغوط الإقليمية والدولية، تقف الحكومة الأردنية أمام مفترق طرق، فإما أن تسير في طريق الإصلاح العميق والشامل أو أن تواجه مزيدًا من الأزمات ، فما الذي تحتاجه الحكومة الأردنية حتى تنجح ؟!! ولنبدأ بالتحديات الاقتصادية ، سيما وأن الإقتصاد هو مفتاح الاستقرار والازدهار ، في الوقت الذي نجد فيه أن
الاقتصاد الأردني يعد من أحد أبرز القضايا التي تتطلب معالجة عاجلة ، فقد بلغ الدين العام حوالي 43.75 مليار دينار أردني بنهاية سبتمبر 2024، وهو ما يفرض ضغوطًا على الخزينة العامة ويقلل من قدرة الحكومة على تنفيذ مشاريع تنموية ، وفي الوقت نفسه، لا يزال معدل البطالة مرتفعًا عند 21.4%، مما يعكس الحاجة إلى سياسات اقتصادية تعزز خلق الوظائف وتحفز النمو ، و
الحلول المقترحة بهذا الصدد تتمثل في تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية تُحفّز النمو المستدام وتقلل من الاعتماد على الاقتراض الخارجي ، فضلاً عن تشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والسياحة بدلاً من الاعتماد المفرط على قطاع الخدمات ، إضافة إلى
تطوير بيئة الأعمال من خلال تقليل البيروقراطية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، مضافاً لذلك إعادة النظر في الإدارة المحلية والتخطيط الاستراتيجي ، للحد من التداخل وزيادة الكفاءة ، حيث تعاني المجالس المحلية في الأردن من تداخل الصلاحيات وضعف الاستقلال المالي والإداري، مما ينعكس سلبًا على قدرتها في تقديم الخدمات الفعالة للمواطنين ، ما يعني أن هناك حتمية لإعادة هيكلة الصلاحيات بين المجالس المحلية والجهات التنفيذية لضمان إدارة أكثر كفاءة وفعالية ، فوق أرضية
تعزيز التمويل الذاتي للمجالس المحلية من خلال تطوير مشاريع استثمارية ، ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية ، حيث يُعد الفساد من أكبر التحديات التي تواجه الحكومات في المنطقة، وهو عامل رئيسي في تآكل ثقة المواطنين بالدولة ، بالتالي علينا فرض رقابة صارمة ومساءلة قانونية لجميع المتورطين في الفساد، بغض النظر عن مناصبهم ، بالتزامن مع تعزيز الشفافية من خلال إتاحة المعلومات للجمهور حول كيفية إدارة الموارد العامة ، و
تبني سياسات توظيف قائمة على الكفاءة والجدارة بدلاً من المحسوبيات ، وهنا علينا أن لا ننسى ما يواجه الأردن من أزمة مياه حادة نتيجة شح الموارد وسوء إدارة الشبكات المائية، حيث يُفقد جزء كبير من المياه بسبب التسربات والتوصيلات غير القانونية ،
ما يقتضي إصلاح شبكة توزيع المياه وتقليل الفاقد من خلال تحديث البنية التحتية ، و
تشجيع مشاريع تحلية المياه واستغلال التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد المائية ، و
فرض سياسات تسعير تعكس ندرة المياه وتشجع على الاستخدام الرشيد ، أما بخصوص التحديات السياسية والإقليمية ، فإن تعزيز الاستقلالية وتقوية الجبهة الداخلية حتمية لا مفر منها ، سيما وأن الوضع الإقليمي المتوتر يمثل تحديًا مستمرًا للأردن، خصوصًا في ظل التطورات الجيوسياسية المحيطة مثل القضية الفلسطينية وتأثير الصراعات الإقليمية على الأمن الوطني ، لهذا لا بد من تعزيز استقلالية القرار السياسي الأردني عبر تنويع التحالفات الاستراتيجية وتجنب الاعتماد المفرط على أي جهة دولية واحدة ، والعمل بنوعية على إعادة تقوية الجبهة الداخلية من خلال إشراك المواطنين في صنع القرار وتعزيز الحريات السياسية والاقتصادية ، فضلاً عن تطوير سياسات دفاعية وأمنية تكفل حماية البلاد من التهديدات الخارجية ، وخلاصة القول : إن نجاح الحكومة الأردنية يعتمد على مدى قدرتها على تبني إصلاحات عميقة وحقيقية تستجيب لتطلعات الشعب وتحديات العصر ، فبدون اقتصاد متين، وإدارة محلية فعالة، وشفافية في الحكم، وسياسات مائية مستدامة، واستقلال سياسي متوازن، سيبقى الأردن في دائرة الأزمات ، والمستقبل بيد صناع القرار اليوم، فإما أن يكون عهدًا جديدًا من الإصلاح والنهوض، أو استمرارًا لمتوالية التحديات التي تعيق التقدم ، و السؤال الذي يطرح نفسه: هل تمتلك الحكومة الفريق صاحب الإرادة السياسية الحقيقية للعبور نحو النجاح؟!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .