لطالما كان دونالد ترامب، شخصية مثيرة للجدل، ليس فقط بسبب سياساته، بل أيضًا بسبب تصريحاته النارية التي كثيرًا ما تتحدى الأعراف السياسية والقانونية ، ولعل أحد أكثر المواضيع إثارةً في المشهد السياسي الأمريكي الحالي هو حديثه المتكرر عن إمكانية الترشح لولاية رئاسية ثالثة، رغم أن الدستور الأمريكي يحظر ذلك بموجب التعديل الثاني والعشرين ، فهل نحن أمام محاولة جدية لإعادة تشكيل قواعد اللعبة الديمقراطية في الولايات المتحدة، أم أن الأمر مجرد تكتيك دعائي لاستقطاب المزيد من الدعم السياسي؟! وجدير بالذكر أنه تم اعتماد التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي في عام 1951، بعد أن أثار الرئيس فرانكلين روزفلت قلق الطبقة السياسية بترشحه وفوزه لأربع ولايات متتالية ، وجاء هذا التعديل ليضع حدًا واضحًا: لا يجوز لأي شخص أن يُنتخب لمنصب الرئيس أكثر من مرتين ، وقد شكل هذا التعديل قاعدة دستورية صلبة تحدّ من إمكانية استحواذ أي فرد على السلطة لفترة طويلة ،لكن ترامب، المعروف بعدم تقبله للهزيمة بسهولة، بدأ بإثارة التساؤلات حول إمكانية كسر هذا القيد ، وفي أكثر من مناسبة، ألمح إلى أن هناك "سبلًا" لتحقيق ذلك، دون أن يوضح الكيفية ، وقد ذهب بعض حلفائه في الحزب الجمهوري إلى اقتراح تعديلات دستورية من شأنها السماح له بالترشح مجددًا ، فهل هذا السيناريو واقعي؟! علماً بأن
أي محاولة لإلغاء التعديل الثاني والعشرين تواجه مسارًا معقدًا، يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الكونغرس أو تصديق ثلاثة أرباع الولايات الأمريكية، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الاستقطاب الحاد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، أضف إلى ذلك، أن تعديلًا بهذا الحجم سيمس جوهر الديمقراطية الأمريكية، مما يجعله عرضة لرفض شعبي واسع ، إلا أن هناك سيناريوهات أخرى قد يحاول مؤيدو ترامب التلاعب بها، مثل الدفع بمرشح محسوب عليه إلى الرئاسة، ثم استقالته لاحقًا، ما يسمح لنائبه - الذي قد يكون ترامب نفسه - بتولي السلطة ، لكن حتى هذه الحيلة ستواجه عقبات قانونية وسياسية كبيرة ، وبالمقابل قد لا يكون حديث ترامب عن ولاية ثالثة سوى جزء من استراتيجيته المعروفة في خلق صدمات سياسية تجذب الانتباه وتحشد القاعدة الجماهيرية ، فهو يدرك أن طرحه لهذا الموضوع يثير مخاوف خصومه ويُشعل حماس مؤيديه، خاصة أولئك الذين يرون فيه زعيمًا منقذًا يريد كسر ما يعتبرونه "نظامًا فاسدًا" ، فضلاً عن أن هذه التصريحات تخدم هدفًا آخر: التشكيك المسبق في شرعية أي خسارة مستقبلية ، فترامب لا يزال متمسكًا بادعائه أن الانتخابات السابقة سُرقت منه، والحديث عن ولاية ثالثة قد يكون امتدادًا لهذه السردية، إذ إنه يزرع في أذهان أنصاره فكرة أن "الشعب يريدني لكن النظام يمنعني" ، وفي تقديرنا أن مجرد طرح هذه الفكرة يعكس تحولات خطيرة في المشهد السياسي الأمريكي ، فلطالما كانت الديمقراطية الأمريكية تعتمد على مبادئ التداول السلمي للسلطة واحترام القيود الدستورية ، لكن في السنوات الأخيرة، بدأنا نشهد تحركات سياسية تتحدى هذه المبادئ، سواء عبر التشكيك في نزاهة الانتخابات، أو محاولات تقييد التصويت، أو الآن عبر طرح إمكانية تمديد فترات الرئاسة ، وإذا تمكن ترامب أو أي سياسي آخر من إيجاد ثغرات في النظام الدستوري تسمح له بالبقاء في السلطة لفترة أطول، فقد يكون ذلك مقدمة لتغيير أعمق في النظام السياسي الأمريكي، مما قد يجعله أقرب إلى الأنظمة التي شهدت تعديلات دستورية تهدف إلى إبقاء زعيم معين في الحكم، مثلما حدث في بعض الدول ذات الديمقراطيات الهشة ، ومع ذلك فإنه حتى اللحظة، لا توجد آلية قانونية واضحة تتيح لترامب الترشح لولاية ثالثة دون تعديل الدستور ، إلا أن مجرد الحديث عن الأمر يعكس مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية، حيث يتم تحدي الثوابت الدستورية بشكل غير مسبوق ، وقد يكون احتمال فوز ترامب بولاية ثالثة ضعيفًا من الناحية القانونية، لكنه يبقى قويًا كأداة سياسية قادرة على تعبئة أنصاره وإرباك خصومه ، والأهم من ذلك، أنه يعكس اتجاهًا أكبر في المشهد السياسي الأمريكي ، من حيث تزايد التحديات التي تواجه الديمقراطية، ليس فقط من الخارج، ولكن من الداخل أيضًا ... !! خادم الإنسانية.
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .