منذ أكثر من قرن على بدء إنتاج النفط في العراق، ظلّت مسألة تأمين ممرات تصدير مستقرة تشكل تحديًا حيويًا للدولة ، فمع إغلاق خط كركوك–حيفا عام 1948 بسبب التطورات الجيوسياسية في فلسطين، وتوقف خط كركوك–بانياس عام 1982 نتيجة الحرب العراقية–الإيرانية والخلافات مع النظام السوري، وجد العراق في الأردن حليفًا استراتيجيًا وممرًا آمنًا لتصدير نفطه إلى العالم ، وخلال حقب حرجة مثل الحرب العراقية–الإيرانية (1980–1988) وسنوات الحصار الدولي (1990–2003)، لعب ميناء العقبة دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد العراقي، فيما قابل العراق هذا الدعم بمنح الأردن كميات من النفط بأسعار تفضيلية، في إطار علاقة تقوم على المصالح المتبادلة لا المساعدات المجانية ، ورغم ما يُثار أحيانًا حول كون هذه الأسعار التفضيلية تشكّل خسارة للعراق، فإن المعطيات الاقتصادية تشير إلى عكس ذلك ، فتكاليف نقل النفط من حقول كركوك إلى موانئ الجنوب أعلى من كلف التصدير عبر الأردن، وتُعوض هذه الفروقات عبر "علاوة المورد"، ما يجعل السعر النهائي عادلًا ومجزياً ، وفي المقابل، يحقق الأردن وفرًا يقارب 49 مليون دولار سنويًا، وهو مكسب اقتصادي يعزز استقراره المالي والاجتماعي ، فضلاً عن أن الشراكة العراقية–الأردنية لم تعد محصورة في قطاع الطاقة، بل تطورت لتشمل مجالات حيوية عدة، منها :
التبادل التجاري: يحتل العراق موقعًا متقدماً بين شركاء الأردن، إذ تصدّر عمّان إليه سلعًا بقيمة 640 مليون دولار سنويًا، مع إعفاء 371 سلعة أردنية من الجمارك.
الخدمات اللوجستية: يمنح الأردن خصمًا بنسبة 75% على رسوم مناولة البضائع العراقية في ميناء العقبة، ما يعزز انسيابية التجارة العراقية.
الربط الكهربائي: بدأ الأردن بتزويد العراق بـ150 ميغاواط من الكهرباء، مع خطط لتوسيع الربط في مناطق صناعية وتجارية حرة.
مشروع أنبوب البصرة–العقبة: مشروع استراتيجي ضخم تبلغ كلفته 18 مليار دولار، ويهدف إلى نقل مليون برميل نفط يوميًا، ما سيعزز قدرة العراق التصديرية ويوفر فرصًا اقتصادية كبيرة للأردن ، وتأتي هذه المشاريع في وقت يشهد فيه الإقليم تصاعدًا في التوترات، خاصة مع تنامي الضغوط الأمريكية على إيران بشأن ملفها النووي، واحتمالات استخدام الأراضي العراقية كساحة مواجهة في حال انفجار صراع إقليمي واسع ،و في هذا السياق، تكتسب العلاقة العراقية–الأردنية بُعدًا استراتيجيًا أكبر، كونها تمثل ركيزة من ركائز الأمن الإقليمي ، وأي محاولة لإضعاف هذه الشراكة لا تصب في مصلحة البلدين، بل تخدم أجندات خارجية تسعى لزعزعة الاستقرار في المشرق العربي ، ومن هنا، فإن دعم مشاريع الربط الكهربائي، والمناطق الصناعية، والبنى التحتية المشتركة، يجب أن يكون أولوية وطنية وإقليمية، تؤكد على خيار التكامل لا التنافس، وعلى رؤية اقتصادية وأمنية تتجاوز الأزمات الآنية نحو مستقبل مزدهر ومستقر. ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .