زاد الاردن الاخباري -
بقلم: محمد دعمس
غاندي ذاك الاسم الكبير في التاريخ المعاصر والذي يمجده الغرب والهنود والكثير من شعوب العالم باعتباره بطلا قوميا حارب الاستعمار من خلال ثورة (اللاعنف)، من خلال دعوته الهنود للعصيان المدني كطريقة للوصول إلى طرد المستعمر وتحرير البلاد من العبودية، دعوة ملائكية قادها غاندي أدت لتحرير الهند في نهاية المطاف من الإنجليز.
هذا الكلام ستقرئه في الكتب والمواقع الأجنبية وبعض العربية، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل تريد أن تعرف الحقيقة؟ هل تعلم أن غاندي ساهم في تحويل الهند من دولة إسلامية كبرى إلى دولة هندوسية مهينة؟
لمن لا يعرف القصة فقد كانت الهند دولة إسلامية عظيمة، حكمها المغول المسلمون بعدل وسلام تارة وبالنار والحديد تارة أخرى، كان لحكمها الإسلامي تأثير إيجابي على الاقتصاد في تلك المنطقة فكانت الهند تتحكم في التجارة والملاحة بشكل كبير وقوي مما جعل الأوروبيين يطمعون فيها ويفكرون بكيفية إضعاف الحكم الإسلامي فيها وزعزعته.
كان حكام الهند المسلمون فطِنين وحذرين للمؤامرات التي تدبر ضدهم، ولم يتيحوا الفرصة للإنجليز بأن ينالوا مرادهم ويضعفوا الدولة فقد كان الإنجليز يخسرون في كل مرة حاولوا زعزعة الحكم فيها بسبب قوة الحكم الإسلامي فيها، مما عزا ببريطانيا أن تفكر بالتجارة كوسيلة للدخول إليها فانشئوا فيها شركة ضخمة للملاحة والتجارة باسم شركة الهند الشرقية للتجارة الإنجليزية وقاموا من خلالها وعلى مدار أعوام طويلة بالسيطرة على التجارة الداخلية في الهند واستخدموا جواسيس في البلاد وغيرها من أعمال ساهمت فيما بعد في إضعاف البلاد والتحكم الاقتصادي فيها ومعرفة كل شاردة وواردة تدور في كل ناجية من نواحي البلاد.
وللأسف فقد طمع بعض الصفويين الإيرانيين في الهند قاموا بحملة للاستيلاء عليها وعاونتهم بريطانيا على ذلك واستخدموا نفوذهم التجاري. ولكن لم ينل الصفويين مرادهم في الهند ولكنهم تركوها منهكة ومتعبة بعد الحرب وهنا قامت بريطانيا بحملة على الهند وسيطروا عليها عسكريا وانهوا الخلافة ها هناك وأصبحت جزء من بريطانيا العظمى.
لكن كيف لدولة كبيرة وقوية أن تنتهي هكذا بهذه السهولة والسرعة؟ تحرك الشعب المسلم ها هناك وكون قادته مجلس للخلافة ضم عسكريين و مفكرين ومحامين من مسلمين (الأغلبية من الشعب) والأقلية (الهندوسية)، وللعلم فقد كانت في الهند أعراق كثيرة لم يستطع الإنجليز في الماضي بث الفتن بينهم، لكن وبعد دخولهم العسكري إليها أصبح ذلك ممكنا أكثر، فغيروا من المناهج وأصدروا أحكاما بسجن كبار المعارضين المسلمين دون غيرهم من الهندوس وشاعوا في إضلال الناس ولكن هذا كله لم يضعف من عزم المسلمين الذين أخذوا في تعزيز نفوذهم يوما بعد يوم هادفين إلى استقلال الهند من بريطانيا باستخدام السلاح مما أرعب الإنجليز وجعلهم يلجئون إلى الحل الأخير ألا وهو .. الهندوس.
هنا ظهر غاندي كزعيم للهندوس في الهند، وبدأت صورته تتصدر المشهد يوما بعد يوم كرجل مثقف وزاهد ومتزعم للطائفة الهندوسية، لكنه داعٍ للسلام ومعارض للعنف والثورة المسلح التي كادت تنجح بقيادة المسلمين في المناطق الأخرى، فكسب تأييد كل من أراد الاستكانة وكسب بعض الحقوق على أن تحرر البلد كاملة من يد الاستعمار الغربي. فعارض غاندي المسلمين في عصيانهم المسلح و طلبهم للاستقلال (المبكر) في نظره وبدأ في عصيانٍ مدنيٍ نجح فيه في كسب بعض المطالب على الأرض وكسب قلوب الهندوس وبعض المسلمين المتخاذلين.
كان واضحا للمسلمين أن بريطانيا تدعم غاندي في الخفاء، خوفا من ظهور دولة إسلامية جديدة في الهند، فبينما كان الإنجليز يضربون المسلمين بالمدافع والنار كانت المناطق الهندوسية تعيش حالات عصيان مدني هادئ غالبا إلا من بعض المناوشات، وعمد الإنجليز لإظهار غاندي كبطل قومي من خلال سجنه أحياناً ومن خلال إظهار أن طريقته السلمية تأتي أكلها ، بينما المسلمون الأغلبية يُضرَبونَ هنا وهناك مما دفع الكثير منهم للهجرة إلى أفغانستان هربا من القتل وسفك الدماء، فبدأت تركيبة المجتمع في الاختلال وبدأ الهندوس يظهرون كقوة كبيرة لها وزنها في الهند وهذا كله في فترة زمنية قصيرة جداً.
وهنا بدأ النزاع بين جبهتي المسلمين والهندوس، بعدما اتفق غاندي وقنصل الإنجليز في الهند على التعاون في إجهاض الثورة الإسلامية في مناطقها على أن يحكم الهندوس الهند بشرط أن لا يظهر هذا العداء للمسلمين ليضمن غاندي عدم مطالبتهم بدولة جديدة في مناطقهم الشاسعة.
فشرع غاندي بالتفاوض مع الحركات الإسلامية والتي بدأت عصيان مسلح وأصبحت تنادي بالاستقلال عن بريطانيا فدعاهم غاندي للانضمام لحركته السلمية وأن العصيان المدني يؤتي أكله على المدى الطويل مفضلا إياه على الثورة التي يقودها المسلمون.
هكذا بدأت العنصرية تسري في جسد الهند المثقل اقتصاديا واجتماعيا، وبدأ الهندوس في النجاح بعصيانهم المدني من خلال مفاوضات غاندي مع الإنجليز وقَبِلَ غاندي بدولة هندوسية في الهند في ظل انسحاب بريطاني شكلي، وبدأ هو وبريطانيا في ضرب هؤلاء المسلمين (المتمرّدين)على الدولة الحديثة وانقلبت الأمور ها هناك.
سرق الثورةَ غاندي...أظهر حبّهُ للإسلام غاندي...عاون الإنجليزَ غاندي...قتلَ المسلمينَ غاندي..سرقَ دولتهم غاندي...(العميل غاندي) يعتبره الكثير من المسلمين بطلا في هذه الأيام دونما تفكير في أن يسترجعوا تاريخ الهند ولو لمرة واحدة لمعرفة كيف انتهت خلافة المسلمين في الهند، وكما نعلم جميعاً فالمسلمون اليوم في الهند فئة صغيرة مهمشة وينظر إليها على انها منبع كل الفتن في البلاد.
كم يغير الإعلام من نظرة التاريخ للأحداث، من خلال الكذب وتزوير الحقائق، وكم ننصاع لهذا الإعلام دونما تفكير في أن عدونا..هو من يصور...وهو من يكتب..وهو من يحقّق ...وهو من يصدر الأحكام... ونحن نتلقى هذا كله.. بابتسامة هادئة.