إن الطبيعة الإنسانية لم تكن يوماً في حالة تجانس، بسبب أن التكوين الشكلي والعقلي للإنسان مختلفاً عن بعضه، ومنه كان الإختلاف بين الأديان والألوان والطبائع. ولكن هذا الإختلاف لم يكن يوماً مدعاة للخلاف والقطيعة أو العداوة، وإنما مدعاة بحث وبشكل مستمر عن نقاط الإلتقاء من أجل الإستمرار. لذا ومن هذا المنطلق وهذا المنطق، ولنستخدم التراتيبية الفكرية، ونسأل: لماذا، ومن أجل ماذا، وعلى ماذا، وأين نختلف؟. هل نحن على خلاف وقطيعة؟، أم بوعينا الإيجابي الممتلك أننا ضمن حدود وعلى جغرافية تؤمن بحقيقة اللقاء والإلتقاء، وبأنه لا مساومة على مطالب شرعية، ومنه نؤسس على أن الإختلاف يكمن بين الكلمات، وطرق إستخدام الأدوات مع الإتفاق في الجوهر والغاية التي توصل إلى الهدف.
يبدو أننا في حالة إتفاق، إذن لنجلس على طاولة واحدة، فنحن نعيش على أرض واحدة، نلتقي جميعا ضمن حدود وطن فيه تكمن رحمة اللقاء، ومنتج جديد يتقدم إلى الأمام هو نتاج الحوار، قد لا تغرينا بعض الكلمات وتدعونا للإختلاف عليها، بل أكثر من ذلك، فربما تظهر حدة وإنفعالات. إنما الهدف يدعونا لأن نبقى في حالة إتفاق وتوافق لإزالة الإحتقان من منطق الحوار، على أن هذا الإختلاف جيد وصحيح ومفيد، حيث نجده يرشدنا إلى مواطن الخلل والهنات والهفوات، كما أنه يدعونا معاً ونحن مختلفون للبحث عن الحلول، وهذا أمر مفيد إذا تبادلنا الآراء فيما بيننا، مفيد ويفيد الجمع لحظة وصولنا إلى إدراك غاية الآخر، على عكس المثل القائل: "إرضاء الناس غاية لا تُدرك"، بل غاية الإختلاف والوصول به إلى حلول ترضي المتقابلين لتنعكس على المجموع، وصولاً إلى حقيقة الوطن الذي يشكّل هويتنا وصورتنا، فدعونا نتعلق بها، ولنستثمر الحوار حتى ننهي الإختلاف حول الماضي والحاضر واليسار واليمين والرفض والقبول والإبعاد والإقصاء، ولنلتق على طاولة الفكر والتفكر، ولنبحث في الممكنات التي تمكننا من زيادة الإلتقاء حتى وإن إختلفنا بغاية إعمار وصون وطننا.
على ماذا نختلف والوطن وطننا والعَلم عَلمنا والكرامة كرامتنا والحرية حدودنا؟!. فالديمقراطية لغة مبهمة والفوضى الخلاقة أو الهدامة من المبتدأ إلى الخبر مرفوضة بيننا.
إذن لا داعي أن نختلف ولا داعي أن نسمح للعابثين أن ينسلوا بيننا ويكرروا "حادثة المفرق"، فالحوار سيد الموقف وبه نصل إلى الأفكار الخلاقة التي تجمعنا وتوحدنا وتصون وطننا وتحفظ أمننا وإستقرارنا.