لـمّـا أصبحنا نعيش في هذا الزمان ، الذي اختل فيه الميزان ، والذي تعملق فيه الصّـغار الأقزام ، وتأقزم فيه العمالقة العظام ، وتسـيّـد فيه المجرمون أبناء الحرام ، وطغي فيه الفاسدون اللئام بعد نزعهم اللّجام ، وأُهين فيه الطيّـبون الكرام ، وزاد فيه الشقاق والقتل و الخصام ، وفـقـدنا فيه الأمن والأمان ، وانعدمت فيه كل فرص السّـلام لأنها لم تكن في حقيقتها سوى محاولة تركيع لنا للإذلال والإستسلام ، فضاعت منّا بسببها الطمأنينة والحب والوئام ، فكثرت بذلك عندنا أعداد المشردين التائهين والضائعين ، وزاد بسببها عدد ساكني الملاجىء والخيام .
كل هذا مادفعني صراحةً الى أن أتقدم بطلب رسميّ الى لساني أرجوه فيه ، وأتوسّل اليه ؛ أن يقبل مني النّـصيحة بإلتزام الصمت ، والكفّ عن كل هرج ، والإمتناع عن قول أي كلام.
لأنني وجدت أن الصمت أحياناً يكون هو أبلغ لغات اللسان ، وأنه أصبح غالباً أفضل من كل الكلام ، وأنه أصبح أحسـن إجابة عن معظم التساؤلات العظام ، وأنه قد أصبح الحل الأمثل في رأيي لمعظم المشـاكل العالقة الجسـام.!! لاسيّما أني أرى أن معظم الناس قد أصبحوا مسطولين سكرانين مدروخين حسبهم الواحد منّا نيام وماهم حقيقة بنيام ، ولهذا لم يكن غريباً أن أجد أن الكثيرين منهم لم يعد يفيد معهم حوار أو كلام ، ولا ينفع مع معظمهم سؤال ولاجواب ولا أي نوع من الكلام !!
و على هذا فقد اتخذت عهداّعلى نفسي ؛ بعدم ارهاق لساني بقول أي كلام ؛ لأنني وجدت أنه لافائدة أساساً تُرتجى من الكلام !!.
علماً أن قراري هذا لايعنى أبداً قلة حيلتي ، أو ضعفي ، أو عجزي لاسمح الله عن الكلام !! بل لأنني قد أدركت بإحساسي أن كل مايدور في المكان ؛ لا يستحق مني اتعاب نفسي بالكلام !! لذا فضّـلت الصّـوم على كل الكلام ، ولهذا لم أعد أحلم بالأحلام ، كما كنت عليه سـابقاً منذ طول زمان.
منوهةً ؛ أنني حينما قررت التزام الصّـمت الآن والصّوم عن قول الكلام ، وحينما صرت أفضّـل عدم تحريك اللسان !! فإنه لم يكن اعجاباً مني بالصّمت ، ولا خوفاً من أي أحد حينما أقول الكلام !! وإنما بسبب فهمي الصّـحيح لأُناس هذا الزمان ، وبسبب إدراكي لأهم مجريات ما يدور حولي وحولهم وحولكم من الأحداث العظام في كل مكان .
والآن وبعد أن تأكدت فعلاً ًأن الصّـمت هو لغة الحكماء ، وأنه رسالة العقلاء ، وأنه التّـاج المُرصّع على رؤوس معظم العلماء ، و الذي يتّـصّـف به جميع العظماء . و أنه اللغة الوحيدة التي لايستطيع للأسف فهمها أحد من الخطباء والفصحاء ولا حتى البلغاء ؛ و التي لا يعرفها الكثيرون من النّاس العـوام ؛ لذا فقد زادت قناعتي بالتوقف عن قول المزيد من الكلام .
فأنا ياما كنت قد تعمّـدت مراراً وتكراراً سؤال نفسي نفس السؤال: ماهي الفائدة إذاً من قول كلام لايعقبه من فعل سوى الكلام ؟ وخاصة لأن هذا الكلام ليس هو في واقع الأمر سوى مجرد ( طق حنك ) وأنه كلام في كلام ؟! وهذا هو ماجعلني أؤمن حقيقة بأنه والله ماضيّعنا وما قلل من قيمتنا ومن هيبتنا واحترامنا إلا هذا الكلام ، وأنه ( ما شرشحنا وما خرّب بيتنا ؛ إلا هبلنا وسذاجتنا وتياستنا ) واكثارنا من هذا الحكي الفاضي ، والــّرغـي في تافه القول وسوقيّة الكلام .
وفي الختام ؛ سلامي اليكم جميعاً هو آخر مايمكن لي أن أقوله لكم على لساني من الكلام . راجية منكم سماع نصيحتي بضرورة لجم ألسنتكم والإختصار قدر الإمكان من الكلام ، والسلام عموماً سيظل دائماً في رأيي هو أفضل ختام لأي حوار ونقاش وكلام ، والسّـلام .