زاد الاردن الاخباري -
الإخوان و السلفية بين الخبرة و التجربة السياسية
محمد أبومنصور
بعد مرور ما يقارب العام على إنطلاقة الثورات العربية في دول ما بات يعرف بالربيع العربي ، تبدأ الشعوب العربية بحصد أولى ثمار هذه الثورات و ذلك بفرز قيادات جديدة توصف بأنها ذات سيرة طيبه و ذات أيادٍ بيضاء و عقول ٍ نيره ، وصلت إلى سدة الحكم بإنتخاباتٍ نزيةٍ وشفافة تعبر عن إرادة و إختار الشعوب المنتشية بالكرامة و الحرية .
و إن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في كل من تونس والمغرب و مصر لم يكن بتلك المفاجأة الكبيرة ، بل كان متوقعاً من غالبية الأوساط الساسية و الشعبية ، و ذلك نظراً لقوة تنظيمهم و إنتشارهم بين مكونات الشعب ، بالإضافة إلى أنهم كانوا يمثلون رأس الحربة في مواجهة أنظمة الظلم و الإستبداد التي أسقطتها الشعوب الثائرة .
ولكن الحالة السياسية التي أنجبتها الثورة الشعبية في مصر تعتبر حالة خاصة تستحق منا الوقوف عندها طويلاً و الإستطراد في تحليل حيثياتها و منتجاتها ، و ذلك بعد أن حل حزب النور السلفي في المرتبة الثانية بعد حزب الحرية و العدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين ،و مع إحترامي الشديد و تقديري العميق لكافة التيارات الفكرية و السياسية ، فإنني أرى أنه من غير المنطقي أن نضع الإسلاميين المصريين في سلةٍ واحدة و أن نتعامل معهم على أنهم كتلة واحدة و كيان واحد ، و ذلك لتباين الكبير الذي يظهر جلياً بينهم فيما يتعلق بالخبرة السياسية و التجربة الفعلية، ناهيك عن الإختلاف الكبير في العمق الفكري السياسي، و ما ينتج عنه من إختلاف في الخارطة و البرنامج السياسي .
فالإخوان يمتلكون خبرةً سياسيةً كبيرة ، و ذلك بعد أن قارعوا الأنظمة الساسية البائدة و التي كانت تضيق عليهم الخناق و تضرب عليهم بالحديد و النار ، و مع ذلك كانوا يخوضون الإنتخابات في شتى ميادينها و على شتى الصعد ، سواءً أكانت برلمانيةً أو نقابية و حتى الإنتخابات الطلابية في الجامعات و المعاهد التربوية ، ناهيك عن الندوات و المناظرات الساسية التي كانت تعقد في شعب و دور الإخوان ، ولكن ربما يفتقر الإخوان إلى تجربة الحكم و ذلك لأنهم كانوا طوال العقود الماضية في كفة المعارضة و لم تتح لهم الفرصة لخوض غمار هذه التجربة ، و لكن باعتقادي أن هذا الأمر غير مبرر للحكم على الإسلاميين بالفشل ، بل إن الخبرة السياسية التي تبلورة لديهم خلال الأعوام الماضية تأشر على إمكانية طرحهم لنموذجٍ فريدٍ من نوعه فالحكم و لخارطةٍ سياسية تمتاز بالوسطية و الإعتدال .
أما التيار السلفي فهو تيار كان منقطع الصلة بالعملية السياسية برمتها طوال العقود الماضية ، بل إنه كان يظهر العداء لها بإستمرار ، فكان يخرج كبار مشايخ السلفية علينا بفتاوى تحريم الإنتخابات و تكفيير المشاركيين فيها ، بالإضافة إلى تحريم العملية الديمقراطية بكافة ألوانها و أشكالها ، علماً أن نفس الأشخاص كانوا يخرجون علينا بفتاوى على نقيض فتاوى التحريم ، وذلك بوجوب المشاركة بالعملية الإنتخابية و هذا طبعاً بعد أن تحركهم الأيادي الخفية التي نعلمها جميعاً ،و بذلك فإن التيار السلفي يفتقر إلى أدنى مستويات الخبرة السياسية و بالتالي فإنه يفتقر ضمنياً إلى تجربة الحكم و هذا الذي أظهر التشوه الكبير فالبرنامج السياسي لتيار السلفي و الذي بدأ يتبلور لاحقاً .
و باعتقادي إن على حزب النور- و الذي يمثل الذراع الساسية لدعوة السلفية المصرية -، أن يتخلص من الزوايا الحادة التي تشوه الفكر السياسي الذي يتبناه ، و أن يدرك أن الثورة المصرية صنعت حالةً سياسية تمتاز بأعلى درجات الحرية و الإنفتاح و أن السياسية القمعية الإقصائية لا مكان لها على الإطلاق ،و عليه أن يتقبل التيارات السياسية كافة مهما إتسعت بينه و بينها بقعة الإختلاف ،مع ضرورة الإستفادة من التجربة السياسية لتيار السلفي الكويتي و التي نجحت في التكيف مع الحالة السياسية الكويتية إلى حدٍ ما .
و ربما يرى البعض أن التحالف الذي بدأ يطفو على السطح بين كلٍ من حزب النور و الكتلة المصرية ذات التوجه اللبرالي بالإضافة إلى حزب الوسط ، يمثل بادرةً إلى إمكانية إزالة الزوايا الحادة التي تشوه الفكر السياسي السلفي ، و لكن باعتقادي أن هذا التحالف ، نحالفٌ هش و لا يمتلك أدنى مقومات القوة و التماسك ، و ذلك لأن التحالف البرلماني ينبغي أن يتفق على برنامج سياسي موحد ، و هذا ما أجده صعباً إن لم يكن حدوثه مستحيلاً بين الأطراف المكونة لتحالف ، وذلك لأن المساحة المشتركة في الخرائط السياسية للأحزاب المتحالفة تكاد تكون ضئيلة و ضئيلة ً جداً ، و هذا ما يجعل من هذا التحالف ،تحالفاً هشاً أقرب إلى الإنهيار و التفكك ، كما أنني أرى ملامح المجابهة والكيدية تغلب على أوصاف هذا التحالف ، وهي موجهة ٌ بتأكيد نحو التحالف الديمقراطي الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين ، مع إدراكي العميق إلى الحرية المطلقة لتيار السلفي في تشكل التحالف الذي يريد و لعب اللعبة السياسية كما يريد .
و إن من حق الجميع ممارسة العملية السياسية وفق مصالحه و أهدافه التي رصدها في برنامجه الإنتخابية ، و لكن مع ضرورة إحترام التيارات السياسية الأخرى و عدم إقصائها أو تهميشها ، فشعوب هي التي صنعت هذا المناخ السياسية النقي و هي التي ستهمش كل من تسول له نفسه تلويثه أو تعكير صفوه العام ، و أنبوب الإختبار هو الميدان .