زاد الاردن الاخباري -
ما أن يبدأ الحديث والنقاش عن "التعليم الخاص" في الاردن حتى يحضر اسم نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني فورا ويصبح هو المقصود بالنقد أو المديح, فالسائد في ثقافة الاردنيين أن الرجل هو الشخص المسؤول عن مستقبل أبنائهم على اعتبار أن في كل بيت هناك طالب ملتحق في مدرسة خاصة, لكن في الواقع الأمر مختلف تماما, فثمة أطراف أخرى مسؤولة عن ملف التعليم الخاص ومستقبل الطلبة على رأس هذه الأطراف الحكومة نفسها, كما يؤكد الصوراني الذي تولى موقع النقيب لأكثر من أربع دورات متتالية, لم تخل من معارك وسجالات ساخنة مع الناس والحكومة على حد سواء.
ورغم التطور الهائل الذي طال كل مرافق التعليم الخاص في الاردن الا ان هذا التطور ظل ملاحقا على الدوام بالشكوك, والاتهامات المتوالية للقائمين عليه بالمتاجرة "بالأبناء" وأنهم مجرد سماسرة وأصحاب شركات تسيطر عليهم نزعات الربح والأنانية أكثر ما يتحلون بفضائل التقوى والإنسانية, ومع هذا كله فان الصوراني لا يلقي بالا للغة الاتهامات تلك لأنه ببساطة اعتاد على هذا النوع من الهجوم الظالم حسبما يقول.
ولا نفشي سرا إذا قلنا ان ملف التعليم الخاص يعد من أعقد الملفات التي تواجه الحكومات المتعاقبة, وذلك لما ينطوي عليه من خفايا وأسرار ظل الاقتراب منها يصنف في باب المحرمات ولعل ملف "الطلبة الخليجيين" الذين كان بعضهم يحصل على شهادات رسمية من مدارس خاصة من دون ان يلتحقوا بمدارسهم أو حتى ملف "تسريب أسئلة الثانوية العامة" الذي تورط فيه أصحاب مدارس خاصة وطرح أسئلة محيرة عن دور محتمل لمسؤولين في وزارة التربية والتعليم عن تسريب أسئلة "التوجيهي" قبل عشر سنوات تقريبا, شكلت ضربة قاصمة لهذا القطاع الذي يضم نحو نصف مليون طالب وطالبة.
الحديث مع نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني ينطوي على آمال وآلام ومحاذير من جانبه ظل يرسمها طيلة فترة اللقاء الذي أجريناه معه في "العرب اليوم", وهو بقدر حرصه على عدم استعداء الحكومة نجده أيضا معنيا بعلاقة طيبة مع الإعلام الذي كبده خسائر كبيرة بسبب غياب الموضوعية كما يقول.
وفيما يصف الصوراني ما يجري في قطاع التعليم الخاص الذي يضم 2390 مؤسسة تعليمية ب¯ "الفوضى", فهو لا يتردد في اتهام وزارة التربية والتعليم بالوقوف وراء هذه الفوضى التي امتدت لعقود طويلة على حد تعبيره "قابلت اكثر من 12 وزيرا للتربية والتعليم من أجل إنقاذ هذا القطاع المهم من المشاكل التي تواجهه, لكن من دون فائدة ترجى بسبب عدم جدية الحكومة فضلا عن استهزائها في هذا القطاع".
ويرى الصوراني أن من أسباب الفوضى التي شوهت صورة التعليم الخاص في الأردن "أن وزارة التربية والتعليم تكيل بمكيالين في تعاملها مع المدارس الخاصة, وهذا كما يقول يخضع لميزان المصالح فنلاحظ أن مديرية التعليم الخاصة في عمان لا تتوانى عن تحريض المجتمع على المدارس الخاصة وتتجاهل القيمة الأساسية لها فعندما يتم نقل طلبة من مدارسهم الخاصة الى أخرى من دون استشارة هذه المدارس و بدون أن يسدد الطلبة الأقساط المترتبة عليهم لتلك المدارس وكذلك تجاوز دور النقابة في هذه العملية يشير بوضوح الى حقيقة رؤية الحكومة للمدارس الخاصة".
من صور المعاناة التي تعانيها المدارس الخاصة وفق الصوراني الفوقية التي تتعامل بها مديرة التعليم الخاص فهو يقول "التصريحات التي تخرج علينا بها مديرة التعليم الخاص بين فترة وأخرى لا تنم عن مسؤولية أو حرص على قطاع التعليم الخاص, ففي آخر تصريح لها يشير ¯الصوراني وجوب عدم إخراج الطلبة من مدارسهم حتى لو لم يقوموا بدفع الرسوم المستحقة عليهم, أليس في هذا تحريض وعصيان وضرر لهذه المدارس, يتساءل الصوراني, غير أنه يؤكد أن هذه المدارس لن ترضى بهذا الإجراء مهما كانت التكاليف لأن العملية تشاركية ومسؤولية وليست "فزعة" وهروب من المواجهة واستحقاقات يتوجب الوقوف أمامها لمعالجة المشاكل التي تواجه قطاع التعليم الخاصة".
وزاد "أي توجه رسمي لمعالجة أوضاع التعليم الخاص يتم استبعاد نقابة المدارس الخاصة عنه ولا نعرف السبب في ذلك وهذا للأسف يجعلنا في مواجهة مباشرة مع الحكومة التي تنظر الينا دائما بريبة وشك, مشيرا الى أن هناك فوضى في "منح الرخص" داعيا وزارة التربية والتعليم الى إعادة النظر في شروط وأسس منح الرخص للمستثمرين في التعليم الخاص مؤكدا أن في دول الخليج على سبيل المثال يتم اعتماد المؤهل العلمي ورأس المال عند منح التراخيص وليس الوساطة والمحسوبية.
ويقول نقيب المدارس الخاصة الصوراني ان الحكومة لا تريد لنا أن نكون نقابة متماسة تسيطر على العدد الكبير من المدارس الخاصة بسبب فوضى الرخص, أنما هي تريدها أن تكون مبعثرة وضعيفة حتى تبقى الحكومة هي المسيطرة قياسا على تجربتها مع نقابة المعلمين, مؤكدا أن مديرية التعليم الخاصة في عمان تدفع باتجاه تفريق الصف في النقابة عبر الاتصال بأصحاب هذه المدارس وحضهم على عدم الانخراط في الجسم النقابي ورفض الالزامية كما هو الحال في نقابة المعلمين, كما نقل له عدد من أصحاب هذه المدارس على حد تعبير الصوراني نفسه ويقول أيضا ان هذا مؤشر خطير لا يخدم سوى الفوضى التي سيكون لها تكاليف باهظة على أهم قطاع يساعد سنويا في استيعاب آلاف الطلبة من المدارس الحكومية التي تعاني سنويا من اكتظاظ.
وأمام هذا التحدي الكبير يكشف الصوراني أن ثمة توجها لإنشاء "الاتحاد العام لأصحاب المدارس الخاصة" بديلا عن النقابة التي تضم في عضويتها نحو 700 عضو, لكنه لا يخفي أن هذا التوجه سيواجه هو أيضا عقبات حقيقية بسبب سياسة الإقصاء التي تمارسها وزارة التربية والتعليم معنا.
من الملفات الصعبة التي تضع نقابة المدارس الخاصة دوما في مواجهة الجميع, وهنا حدث ولا حرج في مستوى السجالات ودرجات التصعيد التي يتم اللجوء اليها سواء عن طريق الإضرابات أو تنفيذ الاعتصامات.. ملف "رفع الأقساط السنوية" وفي هذا الملف تحدث عمليات كر وفر بين مختلف الأطراف سواء المتضررة أو الرابحة من وراء هذا النوع من القرارات, لكن للصوراني أسبابه ومبرراته في رفع الأقساط المدرسية, فهو يقول "المدارس الخاصة ليست "تكية" وإنما استثمار وربح وخسارة ومالك المدرسة الخاصة بالنهاية صاحب مشروع ويريد أن يربح ويسدد التزاماته تماما مثلما يجري في الجامعات الخاصة فهناك ضرائب ومشاكل يجب حلها وإذا تهاون أو تجاهل ما عليه من التزامات فهو بالنهاية سيضطر الى إغلاق مؤسسته التعليمية وكما هو متضرر أيضا الطالب والحكومة التي يدرس آلاف الطلبة في المدارس الخاصة بمعنى هي تساهم في رفع عبء كبير عنها لكن لا حمدا ولا شكورا.
وأضاف الصوراني أن قرار الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور من 150- 190 دينارا أضاف أعباء مالية جديدة على المدارس الخاصة التي تعاني أصلا من تداعيات قانون المالكين والمستأجرين الذي زاد نسبة استئجار المدارس من 80% -100%, مؤكدا أن معظم المدارس الخاصة اعترضت على رفع الحكومة الحد الأدنى للأجور بسبب التكاليف الباهظة التي سيرتبها القرار على هذه المدارس حتى أن هذه المدارس هددت بتعليق الدراسة إذا لم تتراجع الحكومة عن قرار الرفع غير أن التباحث مع المدارس أفضى الى تعويض الأعباء عن طريق رفع الرسوم السنوية.
ويكشف نقيب أصحاب المدارس الخاصة الصوراني عن تقارير مضللة قدمتها مديرة التعليم الخاصة لوزير التربية والتعليم بشأن رفع الرسوم "للأسف مديرة التعليم في عمان كانت تطلب من بعض المدارس عدم رفع الرسوم وتحصل بذلك على إشعارات لتقوم لاحقا برفع تقارير عن استجابة هذه المدارس لمطالب الوزارة غير أن هذه التقارير مضللة ولا تعالج مشكلة مستعصية لأن المخاطبات التي تمت بين المديرة وأصحاب هذه المدارس لا تكشف عن حقيقة مواقفهم لأنهم متضررون من الإجراءات الحكومية في تعاملها مع قطاع لا المدارس الخاصة".
وأشار أن المدارس الخاصة ستلتزم بقرار رفع الحد الأدنى للأجور مع بداية الشهر المقبل الى 190 دينارا فيما هي لا تستطيع رفع الرسوم الا بداية العام المقبل وهذا حق مشروع لا يمكن التنكر له من أي جهة كانت مشيرا ان هذا القرار ستتضرر منه المدارس الصغيرة وليست الكبيرة أي نحو 80% من المدارس الخاصة سترفع الرسوم بينما الكبيرة لن تتضرر لأنها تلقائيا تدفع رواتب مرتفعة غير أن الصوراني أكد أن 50% من المدارس الخاصة سترفع الرسوم مع بداية العام الدراسي المقبل لتعويض الخسائر من وراء تطبيق قرار رفع الأجور.
ويعترف الصوراني أن هناك انتهاكات وظلم يمارسان بحق بعض العاملين في المدارس الخاصة الذين يصل عددهم إجمالا 56 ألف مستخدم لكنه بالمقابل يقول "لم نسمع عن الظلم المتزايد الذي يقع على المدارس وأصحابها من قبل الأهالي فعندما يقوم ولي أمر طالب بتوبيخ وإشهار سلاح بوجه سائق باص نقل الطلبة لم نسمع أن هناك من دافع أو اعترض وعندما يتلفظ طالب بألفاظ نابية بحق العاملين في مدرسته هذا ظل طي الكتمان ونأتي ونتحدث عن انتهاكات أعتقد أنه بات من اللازم وقف هذا الظلم الذي حط من مستوى المدارس الخاصة وصورها على أنها مجموعة مافيات تحكم المدارس الخاصة.
وفيما لا ينكر الصوراني وجود تجاوزات وأخطاء في قطاع التعليم الخاص هو يحمل وزارة التربية والتعليم مسؤولية هذه الأخطاء بسبب العلاج بالقطعة طيلة السنوات الماضية ويتساءل في نفس الوقت عن أسباب كل ذلك "عندما ننظر الى المشهد برمته لا يمكننا الا أن نوجه أسباب هذه التجاوزات الى وزارة التربية والتعليم على نحو مباشر, حيث يتم منح رخص إنشاء مدارس بشكل فوضوي غير مستند الى دراسات ومعايير ذات مستوى عال من الحرفية والجودة فهذا أربك القطاع وشوه صورته بحيث صار كل من لديه رأسمال يفتح مدرسة خاصة بصرف النظر عن مؤهله العلمي أو درجة ثقافته متسائلا ما هو الذي سيحصل في مدارسنا بالتأكيد هذا أسبابه سياسة وزارة التربية والتعليم.
وكشف الصوراني أن وزارة التربية والتعليم ألغت نظام تصنيف المدارس الخاصة الذي جاء لأسباب معروفة للجميع ومؤكدا أن هذا النظام لا يحقق العدالة المطلوبة على الإطلاق, فعندما يتم تصنيف المدارس الخاصة وفقا للرؤية الشخصية وليس لمعايير وأسس من شأنها أن ترتقي بالعملية التعليمية فهذا في إجحاف وظلم للجميع مؤكدا ان 80% من المدارس الخاصة هي "أقل حظا" ولا تنطبق عليها أسس التصنيف لو وضعت بعدالة ونزاهة وستحتل قمة الصدارة مدارس "النخبة" فقط بسبب مساحاتها وتكاليفها مشيرا أن نقابة اصحاب المدارس الخاصة تدعم نظام التصنيف إذا طبقت العدالة والنزاهة لكنها للأسف غير موجودة.
العرب اليوم