تخطئ وزارة التربية ومن خلفها الحكومة عندما تتعمد تطنيش اعتصامات المعلمين، ولا تعيرها أي اهتمام، وتخرج بتصريحات صحفية غير مسؤولة تقلل من أهمية الاعتصامات وأثرها على سير عملية تصحيح امتحانات الثانوية العامة، فالشمس لا تغطى بغربال، والحقائق لا يمكن أن تحجب بتصريح ناطق إعلامي أو أمين عام. وسياسة الاستخفاف بالمعلم وتخديره واستهباله ولت إلى غير رجعة، إلا إذا كانت وزارة التربية تعتقد أنها تعيش خارج نطاق الزمن. ومن يزودون الوزير بالتقارير الوهمية يخدعونه ويقصدون توريطه، وعليه أن يبادر إلى زيارة مراكز التصحيح في جميع المحافظات ليتأكد من حقيقة الوضع.
استعانة الوزارة بأي معلم لا يدرس المبحث الذي يصححه، مخالفة صريحة لأسس اعتماد المصححين، وتهدد سلامة عملية التصحيح التي تتطلب دقة وخبرة ودراية، كما أنها تهدد مصداقية الامتحان وتفقد الطلبة والأهالي والجامعات ثقتهم بامتحان الثانوية العامة وعدالته.
المعلمون لا يطلبون إلا حقوقاً هضمت ورواتب سرقت وعلاوات اغتصبت، جرى الالتفاف عليها باسم الهيكلة التي ثبت بالوجه القطعي أنها أكذوبة كبرى وخدعة لا مثيل لها. فهل يعقل مثلاً أن معلماً بعد خدمة عشرين سنة لا تتعدى زيادته المهيكلة إلا عشرين ديناراً، لا تسمن ولا تغني من جوع، بعد طنطنة وتطبيل وفشخرة حكومية زادت عن عام كامل، حسب البعض أنها ستكون مخلصاً لهم من حالة مزرية يرزحون في أوحالها. وعندما ينظرون للآخرين يدركون أي ظلم تكرس، وأي حقوق اختلست، وكان المعلمون هم الحلقة الأضعف، وهم ضحية الهيكلة التي ذهبت بعلاواتهم التي لا يحق لأحد أن يقلصها، فليس من حق الحكومة أن تتعامل مع المعلمين على أنهم سقط متاع أو رعاع لا رأي لهم، ويكفيهم ظلم عقود أحنت ظهورهم وذهبت بصحتهم وجعلتهم مشاريع موتى، يعاملون بإهمال من معظم مسؤوليهم، ولا ينظر إليهم إلا أنهم كائنات هامشية عليها أن تؤمر فتيطع، ولا يحق لها أن ترفع صوتها أو تحتج!
المطلوب حوار مسؤول وجدي من قبل وزير التربية والتعليم ورئيس الوزراء مع ممثلي المعلمين، وأن يكون هناك حل مرضي لعلاوات المعلمين، فسياسة التطنيش وترك الأمور على علاتها لا تحل المشكلة ولا تنهي الاعتصام، والمراهنة على عامل الزمن ليس في صالح الطلبة الذين هم ضحية جريمة الهيكلة مثلهم مثل معلميهم. ثم إنه آن الأوان أن تتعامل الوزارة مع اعتصام المعلمين بمسؤولية ولتكف أصوات البعض ممن يهرفون بما لا يعرفون، ويزيدون الأمور احتقاناً!
وزير التربية والتعليم مطالب باتخاذ موقف واضح وصريح وجريء، فإما أن يعلن رفضه لاعتصام المعلمين وأن مطالبهم غير محقة وهذا رأي نحترمه، أو يعلن أنه مع مطالب المعلمين وإنصافهم وليقدم استقالته إن لم يجد آذاناً صاغية من رئيس الحكومة.
أما رئيس الحكومة فنطالبه أن يكون منصفاً وعادلاً وهو الذي كان قاضياً في أعلى محكمة دولية، وليثبت ذلك برد الحقوق إلى أصحابها، وليستمع إلى المعلمين وشكواهم ورؤيتهم وحججهم، ولا يستمع إلى بطانة تغشه وتخدعه، فالقاضي الحق يستمع إلى صاحب الشكوى لا إلى خصمه فقط!!
وليعلم رئيس الحكومة أن من يتحمل نتائج الاعتصام من تسبب به ومن أوجد الظروف لذلك، ومن دفع المعلمين دفعاً لهذا الأسلوب الذي ثبت أنه الأجدى. وحل المشكلة ليس صعباً، فالتكلفة المالية المطلوبة للإطفاء لا تساوي حصة فاسد واحد من صفقة واحدة!
أما السادة النواب فأين موقفكم من قضية رواتب المعلمين المعتدى عليها؟ ولم تناديتم وتدافعتم وتكاتفتم ضد وزير الإعلام عندما شممتم من تصريحاته رائحة حل المجلس، ولكنكم صمتم صمت القبور تجاه هيكلة رواتب المعلمين والظلم والإجحاف الذي لحق بهم، إلا من أصوات خجولة أنست بتوضيح وزير تطوير القطاع العام ولم تعقب!
والأمل معقود بالإعلام المهني الشريف أن يكون إلى جانب الحق، وأن لا يكون بوقاً للحكومة، وأن يأخذ على يد الظالم حتى يكف.