عندما تغيب مخافة الله عن أي شخص وخصوصا إذا كان مسؤولا ويقوم بتعطيل ضميره وتخدير مشاعره الإنسانية تجاه الغير، ويشعر بأن أمانة المسؤولية مغنم وزمن تولي المنصب زمن جمع للغنائم دون تفريق بين حلال وحرام، وقد تكون نفسه بالأصل جبلت على حب الشهوات والإنسياق وراء الملذات دون خوف من الله جل وعلا أو حتى من عبيده، وهذه النقطة بالذات هي التي أريد التركيز عليها، وهي توافق مقولة "من أمن العقاب أساء الأدب"، فأنا أشعر أن سبب الفساد الهائل في معظم مفاصل دولتنا وحتى فروعها غياب الخوف من العقوبة والمحاسبة عند المسؤولين ولا أتكلم هنا عن الخوف من المولى سبحانه وتعالى وتذكر يوم الحساب الأكبر ولا أتكلم عن محاسبة موظف بسيط يعمل في دائرة فرعية مع أنه مطلوب أيضا، ولكن أقصد أولئك الذين كان آخر ما يفكرون به وهم معشر الفاسدين في الأردن هو أن يتم محاسبتهم يوما ما، فكانوا يعتقدون أن أكثر ما يمكن أن يعاقبوا به هو أن يتم تبديلهم وإعفاءهم من الخدمة في المنصب الذي يشغرونه ومن ثم يتمتعون بالخيرات التي نهبوها من قوت المواطن ومن مقومات دولته، فساهم هذا الأمن والأمان الذي كانوا يتمتعون به بتضخم أعدادهم بل وازدياد الجرأة على حقوق عامة الشعب فتغولوا على أموالهم ونهبوا ثروات البلد وساهموا بتعطيل عجلة التقدم والإزدهار وضاعفوا مديونية البلد أضعافا كثيرة فأين كان الشرفاء في بلدي ولماذا سكتوا أو أسكتوا، بصراحة كاملة أقول أنه ينتابني شعور عظيم من الألم والأسى وتسكن الغصة قلبي قبل حلقي ويطغى شعور الحزن عندي على الفرح عندما أقرأ عن الملفات الكثيرة التي تم إفسادها من أناس لا أقول فيهم إلا أنهم أمنوا العقوبة فأساؤوا الأدب وتنطبق مقولة أخرى على الذين يتحدثون عن الإصلاح ومحاربة الفساد وهم غارقون بالفساد إلى آذانهم وهي أنه "إن لم تستح فافعل ما شئت".
وأنا من وجهة نظر شخصية واجتهاد الله وحده يعلم صحته أعزي سبب إنتشار وتوسع وتمدد ظاهرة فساد المسؤولين بالأردن إلى سوء إختيار بعض هؤلاء المسؤولين وغياب العدالة وحضور الواسطة والمحسوبية بشكل واضح وفاضح بالكثير من التعيينات، واعتماد الجينات الوراثية بدلا من القدرات المهنية والفنية والإدارية، حتى كدنا نصل إلى مسلمة أن بعض المناصب العليا إلم يكن أكثرها حكرا على بعض الأسماء والعائلات في بلدنا الحبيب، لهذا يجب محاربة هذه الأسباب قبل البدء أو حتى قبل الحديث عن أي محاولة للإصلاح أو السعي نحوه، المواطن العادي يريد أن يشعر بجدية الإصلاح وأن الفساد الإداري والواسطة والمحسوبية في التعيينات صارت جزءا من الماضي وأن الجميع سواء أمام القانون وأن المذنب أيا كان يجب أن ينال جزاءه العادل وأنه لا يوجد أي إسم مهما علا وارتفع على ظهور العباد وتسلم المناصب بدون وجه حق ففسد وأفسد إلا وسوف يأخذ نصيبه العادل من المحاسبة والعقوبة العادلة، إننا نمر بمرحلة إنتقالية ونوعية في عالمنا العربي مرحلة التخلص من الظلم والاستبداد بعد أن نزع المضطهدون الرعب المسكون من قلوبهم، لهذا لم يعد مقبولا إجراء عمليات تجميل لوجوه الفاسدين في بلدي؛ لأن كل جراحين العالم وكل "سيلكون" الأرض لا يمكن أن يجمل هؤلاء بعد كل ما ارتكبوه، لهذا فعلى حكومتنا العمل الجدي والحثيث لكي تشعر المواطن بأن حقوقه مصانه وأن المبدع المهاجر أو العبقري المغيب والمحروم سينال ما يستحقه من منصب وتكريم ويجب أن يلمس المواطن ويوقن تماما بأن المناصب العليا ليست حكرا لأحد، وأن لكل مجتهد نصيب في أردننا المتجدد، وأن جميع الأردنيين متسوين تماما ولهم حقوق يجب عدم حرمانهم منها وعليهم واجبات يجب أن يلتزموا بها جميعا دون تمييز أو تفريق بين أحد.
حمى الله الأردن بلدي ورزقنا مسؤولين يخافون الله جل وعلا ويستشعرون مخافته في السر والعلن، وأدعوه تعالى أن يسرع من وتيرة الإصلاح الجاد والحقيقي في الأردن؛ لأن الوضع كما أسلفت في كل العالم وخصوصا من حولنا يتغير بسرعة كبيرة ويجب علينا مواكبة التقدم والتحضر والإصلاح المتوافق مع ثوابت ديننا والأصيل من عاداتنا وتقاليدنا والمحافظ على وحدة وأمن وأمان أردننا الغالي بسرعة مقبولة بلا مماطلة ودون تسرع أهوج يولد مشاكل أكثر مما يحل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.