يبدوا ان عدم اتفاق نسبة كبيرة من الاردنيين على معنى الاصلاح ما يزال سيد المشهد الاردني والحال الداخلي للمملكة اشبه ما يكون بمسرحية هزلية ذات طابع سياسي تختلف في تفاصيلها عن باقي السيناريوهات المطروحة بالدول العربية من حيث التصميم الشعبي على مكافحة الفساد والسير بجدية الاجراءات الكفيلة بتحقيقه , المتابع للشأن الشعبي الاردني المتناقض والمضحك لا بد وان يسأل : ما الذي يريده الاردنيون بالظبط فيما يتعلق بمحاربة الفساد وتجفيف منابعه وكم قياس يلزمنا لتفصيل مكافحة الفساد على هوى البعض وحسب الرغبة والانتماء الجغرافي الضيق والمناطقية والنزعة العائلية حتى نبدأ السير والتقدم لتحقيق اكثر مطالب ابناء الشعب قبل الاصلاح السياسي ؟!! .
تشكو محافظات الجنوب الاردني تحديداً من البؤس والفقر والتهميش وانعدام الفرص وتلك كانت البيئة الخصبة لانطلاق الحراك الشعبي من الاطراف قبل العاصمة نفسها ولا يكاد يختلف اثنان من ابناء الوطن الشرفاء على عناوين المطالبات الشعبية في لافتات الحراك وفي اية مناسبة اجتماعية تتيح للناس فرصة الالتقاء والحديث عن الشأن الداخلي فموضوع مكافحة الفساد ومحاسبة رموزه ممن تلطخت اياديهم بمال الشعب واستغلال الوظيفة العامة سبق لدينا موضوع الاصلاح السياسي واحتل مرتبة قصوى لتأثير مؤسسة الفساد على لقمة عيش كل اردني ومسؤوليتها المباشرة عن واقع الفقر والحرمان الذي هيمن وما زال على محافظات الجنوب الاردني وجيوب الفقر هناك , أذن ما الذي حدث في أكثر محافظة من محافظات الجنوب فقراً وتهميشاً وبُعداً عن مركز ونعمة العاصمة ؟!! وما هي مقترحات كثير من ابناء الشعب فيها حول مكافحة الفساد وملاحقة رموزه ؟!! وهل ما زال مبدأ التوزيع الجغرافي ومبدأ ( انا واخوي على ابن عمي , وانا وابن عمي عالغريب ) يتحكم في اذهان الكثيرين هناك مع احترامي للكثيرين من ساكنيها ؟!! .
الواقع المؤلم لمحافظات الجنوب خاصةً والوطن عامةً يخبرنا بان ابناء المحافظات هناك ممن تقلدوا المناصب تلو المناصب بالعاصمة نتيجةً لنظام المشمشية المتبع لدينا حكومياً لم يدفعهم ذلك لصناعة انفسهم كرجال دولة مرتبطين بمحافظاتهم التي افرزتهم وهم لم يسعوا ابداً لجعل انفسهم ارقاماً تحضى ايضاً بالاحترام الوطني , فتعزيز حظورهم الوظيفي على حساب قواعدهم الشعبية وتحقيق المكتسبات الخاصة المتاحة لهم ولابناءهم من بعدهم كان ديدناً لهم على حساب المصلحة الشعبية هناك , يدرك أبناء محافظات الجنوب جيداً بان ( زلم المناصب ) من ابناءهم يتوارون عن الانظار وعن التواجد بينهم لحظة تبشيرهم بالمنصب العام او الخاص ولا يتواجدون بعد الانتهاء من عهد الوظيفة الا في بيوت العزاء او في الجاهات لطلب او اعطاء العروس كأسلوب متبقي لديهم في المحافظة على نزعة الظهور واعادة تسويق انفسهم من جديد بين قواعدهم الشعبية والمخذولة والمضحوك عليها كلما نشبت لدينا انتخابات نيابية او بلدية او ما شابه وهذا الأمر بالذات دفع الكثيرين من ابناء الشعب على الانقلاب على القيادات العشائرية والوهمية لقناعتهم الاكيدة بان مصلحتهم الخاصة وتوريثها للابناء تعتبير الهم الاكبر والهدف الأسمى لديهم وان حاجتهم لاقاربهم وابناء محافظاتهم تشبه حاجة الانسان ( للفروة ) التي يطلبها في لحظات البرد ويرميها عن ظهره كلما سطعت شمس الحظ والرجوع للدوار الرابع ومخالطة ذوي القرار والطبقات المخملية في العاصمة .
أدرك كغيري من الاردنيين حقيقة ذلك الواقع المخزي والمفارقات المبكية في أردننا والسكيولوجية التي تحكم تصرفات كثيراً من المارقين على مصالح الشعب وآلامه وآماله لكن الواقع المؤلم والمخيب للآمال بان يتم اعادة تصنيع تلك الرموز التي تدور في فلك الفساد كرجال دولة من جديد يتمتعوا بالحماية العشائرية والمناطقية والجهوية الضيقة وتدخل اسماؤهم في تأليف الاهازيج الشعبية التي تمجدهم وتعليهم فوق الوطن ومصلحته العليا عند استقبالهم كأبطال فاتحين في محافظاتهم !!! .
يبدوا ان الكثيرين منَا وللأسف قرروا المفاضلة بين ابناءهم المشبوهين على حساب الوطن وتناسوا أهازيج الاردنيين التي ما كانت الا للوطن حين اختصروا الاردن بشخص معين !! .