ردت محكمة الاستئناف الطعن الذي تقدم به النائب العام لإلغاء قرار محكمة بداية عمان بتكفيل أمين عمان السابق عمر المعاني وأيدت القرار .
كان هذا الحكم متوقعا ،فمن المستحيل أن تكون محكمة البداية قد أخلت سبيل الرجل دون التأكد من استيفاء قرارها للشروط القانونية ومقتضيات المصلحة العامة ،وقبل أن يتحقق مطلق يقينها من أن وجوده طليقا لا يؤثر على سير إجراءات التحقيق التي لا زال يجريها المدعي العام في بعض القضايا ، وهو المبرر الوحيد الذي ساقه النائب العام في طلب الطعن ...هذا من جهة.
من جهة أخرى كان على النائب العام أن يتريث قبل أن يشذ عن العرف القضائي ،ويختلق صراعا قضائيا في تعقب الدعوى حول إجراء طرفي لا يتصل بعمق القضية .فالمعروف أن التوقيف استثناء على أصل قاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ،خاصة إذا ما علمنا أن استئناف قرار الكفالة ليس وجوبيا أو إلزاميا بالنسبة للنائب العام .
كان عليه ومن باب أولى أن لا يثير مثل هذا الإشكال ،ويصرف النظر عن هذه السابقة الخطرة طالما اطمأنت محكمة البداية وبعدها محكمة الاستئناف لسلامة حلقات المحاكمة اللاحقة .
اقل ما يمكن قولة في واقعة الطعن أنها إجراء زائد عن الضرورة أحرج الجهاز القضائي ، وتفسيرها إذا ما تكررت على أنها تمرين لحركات قضائية يمكن استخدامها في عموم قضايا الفساد وقضية عمر المعاني على وجه الخصوص ، ما يعتبر وقوع مبكر في محظور تسييس قضايا الفساد الذي طالما تم التحذير منه.
بالأمس نأى قضائنا بنفسه عن مخلفات الصراع الداخلي حول التغيير والتصحيح وملوثات الإصلاح .وانقشعت هذه المرة سحابة القلق على نزاهة القضاء ،وحذفت محكمة الاستئناف شائبة السياسة التي كادت أن تعكر صفو براءة الاتهام، وأزالت بقرارها غشاوة أوشكت أن تشوه شكل العدالة، وعادت الثقة برجال القضاء الذين عزلوا أنفسهم وتحصنوا للعمل بجو نظيف مهما بلغ اكتضاض المحاكم بقضايا الفساد وزخم الغضب الشعبي على المتهمين.
لا ندافع عن الفساد والفاسدين،لكن في محاكمة المتهمين هناك احتمالين لا ثالث لهما .فإما الإدانة وإما البراءة. وفي قضية المعاني - وأنا لا اعرفه - من الخطأ ترجيح احدهما على الآخر طالما لم يثبت انه ابرز إلى حيز الوجود العناصر المؤلفة للجرائم المتهم بها أو ساهم مباشرة في تنفيذها.