زاد الاردن الاخباري -
خاص - بقلم: منتصر بركات الزعبي - سَيِّدي وَمَولَايَ جَلَالةَ المَلكِ عَبدِاللهِ الثانِي حَفظَهُ اللهُ وَرَعَاهُ وسدَّدّ على طَرِيقِ الخَيْرِ والعِزِّ خُطَاهُ .
سَلامٌ عَليْكَ في العَالَمِين ، فَإنِّي أحْمَدُ إليكَ اللهَ الذِي لَا إلهَ إلَّا هو .
أمَّا بَعْدُ :
فإنَّ اللهَ - عزَّ وَجلِّ - ابتلاكَ بمَا ابتلاكَ بِهِ مَنْ أمرِ هَذِه الأمَّة ، قَدَرٌ مِنْهُ قَدرَّهُ علَيكَ . فأسألُ الذي ابتلاكَ أنْ يُعِينَكِ على مَا وَلَّاك مِنْ عِبَادِه وبِلادِه . وَأنْ يَرزًقَك فِيهِمْ العَمَلَ بِطَاعَتِهِ ، وأنْ يَرْزُقَهم مِنْكَ الرَّحْمَةَ والرأَفَةَ ، ويَرْزُقَكَ مِنْهُمْ السمعَ والطاعةَ وحُسْنَ المؤازرة .
سيِّدي ومَوْلَايَ : لمْ يَكنْ لِيكْتبَ إنْسَانٌ بسيطٌ مِثلْي لأمثالكم ، إلَّا لِطَمَعِهِ في تَواضُعِكُم ، وَكرمِ شَهامتِكمْ ، وسَعَةِ صدرِكُم ، لِتَسْمَعُوا مِنِّي كمواطِنٍ غَيورٍ ، مُكافأةً لِوَطَنِي الأردنّ المِعْطَاءِ ، الذي يَستحِقُّ مِنْ كلِّ حُرٍ ونبيلٍ ، مزيدًا من العطاءِ والإخلاصِ ، والوفاءِ بمسؤولِياتِه الاجتمَاعِيِّةِ والأخلاقيِّةِ عَبْرَ سَعيه إلى تحقيقِ "مواطنةٍ حقةٍ " يستحقُّهَا الأردنُّ أرضَ الحشْدِ والرِباطِ .
سيِّدي ومَولايَ : إنَّ على بابِكَ نِيرانًا تتأجَّجُ مِنَ الجُورِ، فأطفِئْهَا يا مولاي بِماءِ حِكْمَتِكَ ، قَبلَ أنْ تَضْطَرِمَ وتصبحَ حَريقًا ، يَلْتَهِمُ الأخضرَ واليابسَ ، ومَرَدُّ ذلك ، ضَعفُ السِّياسَاتِ الحُكوميَّةِ وتخبُّطِها، فلا زِلْنا نَعِيشُ إلى اليومِ نَفسَ المَناخِ ، الذي لا يَحملُ في طيَّاتِهِ أيةَ عَواملَ لِلتَغِييرِ ، والذي يُفيدُ أنَّ الحالةَ التي يمرُّ بها بلدُنا الحَبيبُ في الوقتِ الرَّاهنِ حاَلةٌ غيرُ صحيِّةٍ بالكاملِ .
لا يُجَادِلُ أحدٌ في أنَّ الحُكوماتِ المُتعاقبةِ ، قد تقاعَستْ عن أداءِ وَاجبِها ، وفقدتْ مُعظمَ هَيْبَتِهَا في النفوسِ ، بسبب العجزِ الناتجِ عن عَدمِ تحديدِ المسؤوليةِ والاضطلاعِ بها كاملة غير منقوصة . وعجز جهازها الإداريِّ المُضطَّرب مِنْ أنْ ينهضَ بحاجاتِ الشعبِ ، أو أنْ يؤدِّيَ للناسِ عملاً ، كفشل وزارة الأوقاف الذريع في كلِّ موسم حج ، عندما تفننت في تعذيب المواطن الأردني التي ما زالت مرارته باقية إلى الآن في حلوق الحجاج ، بل كابوسًا يلاحقهم ، ومما لا يدعو للشكَّ أنَّ سلطانَ القانونِ قَدْ تَزَعْزَعَ ، وفَقدَ مُعظمَ احتِرامِه ، بِسَبَبِ العَجْزِ والمحسوبيات والحِيَلِ المُتَكَرِرةِ والاعتِداءِ أحْيَانًا .
سَيِّدي وَمَوْلَايَ : إذا كانَتْ قدْ مَرَّتْ علينا أيامٌ كانَ فِيها الصَّمتُ هوَ المَوْقفُ الوحيدُ الأبيُّ والشجاعُ ، فالصَّمتُ الآنَ ذَنبٌ كبيرٌ ، لأننا نخوضُ مَعركةَ مَصيرٍ ضِدَّ كُلِّ قُوى الظلامِ ، بما تملِكهُ منْ ضَراوةٍ وشَراسَةٍ وهمجيِّةٍ ، والتي جَثَمَتْ على صُدورِنا كالكابوسِ ، وتَسللتْ إلى مَواقِعِ السُّلطة ، وأفسدَت علينا حياتنا .
إنَّ الذي يتفطَّرُ له القلبُ حقًا يا مولاي أنَّ "الشخصيِّة الأردنيِّة" لم يَعُدْ لها معالمٌ ، أو ملامحٌ تميِّزها ، أو تُشخِّصُها بفضْلِ هذهِ القُوى الظلامِيِّة . لقد دُمِّرت الشخصيةُ الأردنيةُ ومُحِيَت معالمها ، بحيثُ لم يبقَ لها أيُّ مَزِيَّةٍ تعرف بها .
سيِّدي ومولاي: شعبُك الأردنيُّ يعيشُ كابوسًا مُرعبًا ، ينزِلُ عليه كلَّ يومٍ وهو تغلغلُ الفسادِ ، ونفوذُه مِنَ الجلدِ إلى الَّلحمِ والعظْمِ ، الذي من عيونِهِم سَلبَ الضِّياء ، شعبُكَ يَجوعُ يا سيِّدي : والحيتانُ والهواميرُ يشكونَ زحمةَ التخمةِ ، ولا يشْبِعونَ أبدًا ، هُمُ كجنَّهم كُلَّما قِيِلَ لها : هَلْ امتلأتِ فتقولَ : هلْ منْ مَزيد ؟.
فليسَ واردٌ في مَنْطِقِ العَقلِ والنقلِ ، أنْ تظلَّ ثلَّةٌ من اللصوصِ والحراميِّةِ تصولُ وتجولُ ، تمارسُ التخريبَ والتدميرَ لمقدراتِ الوطنِ ، والحكومة تعيشُ صمتَ القبورِ ، الذي مِنَ المفروضِ أنَّها حكومةٌ ذاتُ نهجٍ إصلاحيٍّ ، وأنَّها حققت كما تدعِي بعضَ الانجازاتِ في سبيلِ القضاءِ على الفسادِ من دونِ أنْ نرى واحدًا قدْ صَدرَ بحقِّه حكمًا ، مِمَن نهبَ خيراتِ الوطنِ ، وحَوَّل المُواطنَ إلى شَحَّاذٍ على أبْوَابِ المَساجِدِ والإِشاراتِ الضَوْئِيةِ .
ألمْ تقل يا سيدي للمسؤولين بالحَرْفِ: ( الشَّعبُ تعبَ من الوعودِ، وتعبَ مِنَ الحديثِ عنِ الفَسادِ، ولمْ نرَ فاسِداً واحداً وراءَ القُضبانِ ، وخاطبتَهم قائلاً : لا غِطاءَ لفاسِدٍ مهما كانَ ومين ما كان، وقلتَ : العدلُ هو أساسُ الحكمِ ، وخاطبتَ رئيسَ الحكومةِ ، ورئيسا مَجلِسِ الأعيانِ والنوَّابِ: يجبُ وضعُ التشريعاتِ لجعلِ الفاسدِ يكونُ بين يديّ القضاءِ ، وعدمِ المماطلةِ بتحويلِ مَنْ تثبتْ عليهِ تهمةُ الفسادِ ما بينَ مكافحةِ الفسادِ، ومجلسِ النوَّاِب، والحكومةِ ) ولكنَّهم وِضِعُوا في أُذنٍ طِينًا ، والأخرى عَجِينًا ، حتى كأنَّهم لمْ يسْمَعُوا شيَئًا كأنَّ في آذانِهمْ وَقْرَا ، فَلَمء تُنَفَّذْ أوامِرَكَ يا مَوْلايَ لِلآن.
إنَّ هؤلاءِ اتخذوكَ سُلَّمًا إلى دَركِ إرادتِهم ، وصفاءِ دنياهم ، فكلُّهُم يُوقدُ عليك يا مولاي، لقد وَقَعَت بعضُ الأمورِ التي دارتْ حَولَها الكثيرُ من الاستفهامات ، وهو عندَ سؤالِ أيّ مسئولٍ ، يَرُدُّ بِرَدٍّ واحدٍ ، وهو ( أنا أُنَفِذُ قراراتٍ مِنْ فوقٍ ) ، وكأنَّ ملِكَنَا حفظَهُ اللهُ أصبحَ شماعةً لتعليقِ أخطائِهم وتخويفِ الناسِ ، وقطعِ الطريقِ عليهم عندَ أيِّ استفسارٍ ، أو شكوى ، أو حتى نقاش .
سيدِّي ومولاي :
إنَّ ما يفعلُه الشبابُ وغيرُهم من الوطنيين المخلصين من مُختلَفِ طبقاتِ الشعبِ ، وقواهُ السياسيِّة وفئاته ، وأطيافِه المُختلفةِ من التظاهرِ السلميِّ المُطالِب بإزالةِ الفسادِ ، ومُحاَكَمَةِ الفاسدين بأسلوبٍ سلميٍّ حضاريٍّ راقٍ أقرَّته المواثيقُ الدوليَّةُ ، والدساتيرُ المحليَّةُ لَهوَ من صميمِ ما تدعو إليّه شريعةُ الإسلامِ التي جاءَت بالعدلِ ، والرحمةِ ، ورعايةِ مصالحِ الأمَّةِ ، وأوجبتْ التعاونَ على البرِّ والتقوَى، وحدَّدت خيريَّة الأمَّة في قِيامِها بِواجِبِ النصيحَةِ ، والأمرِ بالمعروفِ ، والنهيِّ عن المنكرِ، واعتبرتْ التصريحَ بالحقِّ حالةٍ صحيَّةٍ في المُجتَمَعِ .
إنَّ استقامةَ الأوضاعِ الاقتصاديَّةِ ، واستقرارَ العدْلِ الاجتماعيِّ ، ومُحَاكمَةِ الفاسِدين ، واسترجاعِ ما سَلبُوهُ أمرًا في غايَة الأهميِّة ، فإنَّ الأوضاعَ الاقتصاديَّةَ المُعْوَجَّةَ ، وشيوعَ الظلمِ الاجتماعِيِّ ، واختصاصَ قلَّةٍ بالتمرٍ ، وكثرةٍ بالنَّوى ، وتقديمَ مَنْ يستحقُّ التأخيرَ ، وتأخيرَ مَنْ يستحقُّ التقديمَ ، مِنْ شَأنِ هذا كُلِّهِ أنْ يشيعَ كثيرٌ مِنَ الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي بَدَتْ تظهرُ للعيانِ ، مثل : الغِيبَة والنميمة وسوء الظنِّ والملقِ والنفاقِ وازدواجِ الشخصيَّةِ وعدمِ المبالاةِ وإهمالِ الواجباتِ والذلِّ والإنحناءِ والسلبيَّة والتحاسدِ وعدمِ الحرصِ على المالِ العامِ ، فكمْ تتلوثُ الحياةُ ، ويختلُّ المجتمعُ إذا شمَّ الشعبُ رائحةَ الفسادِ تنتشرُ ، وقد أشارَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك حينما قال لأحدِ الآباءِ ، وقد خصَّ أحدَ أبنائِهِ بشئٍ من ماله: (أتحبُ أنْ يكونَ أبناؤكَ لك في البرِّ سَواءٌ ؟ قالَ : نَعمْ ، قالَ : فَسَوِّ بينَهم . وقالَ : اتقوا اللهَ واعدِلُوا بينَ أوْلادِكُم ).
ومعنى هذا أنَّ التميِّيزَ بينَهم فيما يستحقّون من عطاءٍ يُولِّدُ العقوقَ للأبِ مِنْ بَعضِهِم ، كما يورثُ التحاسُدَ – من جِهةٍ أخرى – بينهم .
أَدعو اللهَ جلَّ وَعلى أنْ يحفظَكُم ذخرًا ، وسندًا لشعبِكم ، وأمَّتِكم ، وأنْ يكتبَ لمسيرةَ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهار والخير.