ضحكت من كل قلبي ، إلى حد القهقهة بصوت عالي وانا أقود سيارتي على ذاك المشهد الذي يشير لإنفصام او إزدواجية الشخصية التي يعيشها البعض من شعبنا الكريم ، المشهد الذي اضحكني وأثار بي الإستغراب هو انني شاهدت سيارة يقودها شاب في مقتبل العمر ، متانق بكامل اناقته ، مثل سيارته الفاخرة ويبدو انه في طريقه للعمل ، أثناء قيادته للسيارة يقوم بإحتساء ( قهوة سفري ) ، في لحظة ما رأيت يده تخرج من نافذة السيارة وفيها ( كاسة القهوة السفري ) ، حيث كان يهم بإلقاءها من النافذة إلى الخارج دون أي إكثرات بمن حوله من سيارات ، لكنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة بسبب تفاجاه بوجود مراقب سير موجود على مقربة منه الامر الذي حدا به لان ( يجمطها ) ويبقيها داخل سيارته ..!!!!
كثيرة هي المشاهد التي نعيشها في وطنا الغالي للأسف مثل هذا المشهد والتي تظهر مدى تهاون وسلبية البعض منا في تعامله مع الطبيعة ، فلو كنت في مكان طبيعي مزدان بالأشجار الحرجية ، ستجد ان هنالك اشخاص يحاولون تقطيع الأشجار لغاية إستخدامها في حفلة الشواء والطريف في الموضوع إن المكان إذا كان خاضعا لمراقبة الطوافين ستجد عضوا من المجموعة يقوم على عاتقه مراقبة حضور اولئك الطوافين حتى لا يأتي على غفلة منهم ويفشل نواياهم في العبث والتخريب في اجمل الأشياء التي وهبنا إياها الله ...!!!
إنها مشاهد ..تظهر حجم التناقض الذي نعيشه في حياتنا ، ففي الوقت الذي نصب فيه غضبنا على الفساد الحكومي وعلى الفاسدين الذين لم يراعوا الله ثم الوطن بفسادهم وإخلالهم بما هو موكول لهم بامانة ومسؤولية ، فالبعض منا ما زال يمارس أقسى وأشد انواع الفساد نحو بيئتنا التي هي امانة في أعناقنا إلى يوم الدين والدليل على ذلك حجم النفايات المختلفة الانواع التي لا يخلو مكان او متنزه او حديقة عامة منها ...!!!!
إن تاطير الفساد وقصره على الفساد الحكومي وتناسي ما نمارسه من عبث وتخريب في بيئتنا هو من أسوا انواع الفساد فالفاسد الذي مارس هواياته في السرقة والتضليل والتزييف من المال العام ممكن محاسبته وتوجيه اقصى العقوبات الرادعة في حقه ،بل ويمكن إعادة ما جناه إلى الخزينة العامة بينما نحن نقوم بالتخريب والعبث بأشياء من الطبيعة أخذت عمرا طويلا في نموها تصل إلى مئات السنين ورافقت اجيالا واجيال مروا في زماننا الغابر فكيف يمكن إعادتها أو ترميمها؟ هذا إذا كان من الممكن ترميمها والمصيبة في الموضوع ان ما نقوم بتخريبه لا يعتبر ملكا للدولة فقط بل هو موروث طبيعي في عهدتنا لمن سيتبعنا من أجيال قادمة ، وبلا شك فان سلوكنا هذا يندرج في باب الخيانة لهم ولتاريخهم القادم ...!!!
وحتى لا نتهم بالخيانة العظمى من الاجيال القادمة ، فانه ينبغي علينا وبخاصة في الوقت الذي ننادي به في الإصلاح السياسي ، ان نمارس الإصلاح على انفسنا نحو سلوكنا فيما نملك من موروث طبيعي بالحفاظ عليه والتعامل معه بمنتهى الرقي والحضارة ، وإلا سنكون في خانة اولئك الذين يرمون الناس بالحجارة وبيوتهم من زجاج ، وحينها لن يكون لنا شيء نستطيع تقديمه في كفاحنا نحو كل اشكال الفساد ، ففاقد الشيء لا يعطيه ....!!!!