لا توجد مسافة واسعة بين ما مارسته طالبة الإعلام في الجامعة الامريكية في القاهرة علياء المهدي حين عرضت بضع صور لجسدها العاري على مواقع إجتماعية مختلفة ،وساندتها فتيات عربيات أُخر ، وبين ظاهرة التعري لمنهج وبرامج وخطاب سياسي تبدل كليا ، حتى بات كجسد علياء المهدي يضعك في دهشة وإستغراب .
في ظاهرة تعري الجسد عند علياء المهدي ، السبب نفسي وإجتماعي بحت ، اُخرج بطريقة فانتازية إعلامية تثير الرأي ، مرتبط بسيكولوجيا المرأه التي تصل الدنيا بخطيئة انها " انثى " ، وسط ضجيج الافكار وتشتت المعايير وتناقض الايدولوجيات التي ركزت على الشكل وليس المضمون ، قلة فقط من النساء العربيات استطاعت تجاوز ثنائية الشكل و المضمون ، ليكتمل وجودها الإنساني بدلا من تغليب التجلي الأنثوي واعتبارات المظهر ، قد تكتشف المرأه العربية لاحقا ، أن الوجود الإنساني له تجليات متعددة غير كتلة اللحم الغرائزي الذي تكشفه للعامة، وقد تكتشف أو لا تكتشف أنها أضاعت أحلى سنين عمرها تلعب على أوتار المجتمع واهتماماته لعبة التعري والإخفاء ! ،
الكل ينهشها دون استثناء ، تنهشها دعاوي التحرر والمساواة ، وتنهشها ثقافة غير متنزنه او منسجمة ومتناقضة بين ثقافة الأسرة والشارع والجامعة والعمل وتكنولوجيا التواصل البشري ، وجدت علياء المهدي أن مواجهة تلك القيم لا يمكن ان يؤتي أكله دون التعري ، فالكلام لا يؤدي لنتيجه ، والبيانات والدعوات التحررية والمساواة لم تؤتي غرضها ، ففعلت ما فعلته علياء إنتقاما لثقافة " العورة " الملازمة لصوتها وجسدها وجمالها وحركتها ، والتي جعلت منها حبيسة البيت تحت مسميات الخوف والحرص على الشرف الرفيع ، ونحن لا نبرر ما فعلته هنا ، ولكنها ضحية قيم وثقافة مجتمع يعيش تناقض الافكار والايدولوجيات المختلفة .
يبدو أن التعري وخلع العباءات وكشف المستور والخروج على القيم والفلسفات لم يعد محصورا على فتيات دفعتهن عوامل الثقاقة وتناقضاتها الى ذلك السلوك ، بل هناك قوى دينية وأيدولوجية ثورية أو غير ثورية خلعت تلك العباءات لأسباب تتشابه وحالة علياء المهدي ، وكشفت تلك القوى للعالم ما تخفيه تحت أثواب خطابها السياسي من مطامع وطموحات وتناقضات وإكذوبة الخطاب داخل تلك القيم التي دافعت عنها عقود طويلة ، فانتقل بعضها من قوى راديكالية متطرفة الى قوى متسامحة وسطية مهادنة حد " الخيانة " ، تقبل حتى بالمحرمات ، وقدمت تنازلات تتناقض احيانا مع عقيدتها وفلسفتها ، ولم يبقى منها إلا الشكل الخارجي ، قوى عاشت ولا زالت نفس السيكولوجيا المتوترة والمتناقضة التي عاشتها علياء المهدي !
الحديث عن " ظاهرة التعري " لم يقف عند حد الجسد ، بل وظهر على أنواع وأشكال أكثر خطورة على المجتمع والدول ، تنفذه قوى إسلامية وقوى نضالية وطنية " كانت متطرفة " الى الحد الذي كانت تحرم فيه على المواطن العمل مع الدولة الكافرة وقبض " المال الحرام " من خزينتها ! و قبلت من أجل السلطة كل قوانين التجارة الحرة والاحتكار وبنوك الربا ووالحج الى مقارات رؤساء الدول وسفاراتها ، وحتى القبول بالاحتلال الصهيوني لأرض عربية واسلامية ! قوى كانت حتى الامس القريب تتغنى بالشهادة والفداء والتحرير وقلب انظمة الحكم ، لتعلن رغبتها وتمشيا مع موضة السلطة والحكم بالعمل السلمي والتسامحي و الاسلامي " الديموقراطي " في سبيل الانتقال الى مربع السلطة والحكم ، وسوقت نفسها حتى" للشيطان الأكبر " إلتزامها واحترامها لمواثيق ومعاهدات " الخيانه " مع اسرائيل !
عقيدة الفكر المادي / الرأسمالي ، استطاعت ان تتغلب بكل أسف على كل الافكار والقيم والفلسفات التي تشدقت بها قوى جهادية وتحررية كانت تخفي خلف برامجها الثورية أو الجهادية طموحات واحلام السلطة والمال ، الفكر المادي الذي فصل الروح عن المادة ، والدولة عن الدين انتصر في معركته أخيرا، ليس لأنه الأفضل والانقى ، بل لأنه المنسجم مع نفسه في المدرسة والجامعة والمجتمع والكتاب والعمل والسياسة والاقتصاد وعلم الأجتماع ، و كشف لنا هذا الفكر عمق العيوب التي حملناها في فكرنا ، او حمّلنا إياها بعض المفكرين واصحاب الفتاوي والمنظّرين بما يتناسب ومراحل السلطة والمصالح ، فسقطت كل نظريات الجهاد والنضال لتأسيس الدولة الاسلامية المطلوبة أو تحرير الارض المغتصبة ، ، وسقطت فتاوي الحرب على الجشع والربا وحكم المتسلط والكافر والملعون ، سقطت قيم وتبدلت قيم ، فإن كانت علياء المهدي قد ارتكبت خطيئة التعري ، فخطيئة الانقلاب المفاجيء على الفكر وإعادة صياغة الخطاب السياسي لبعض قوى التطرف بما ينسجم مع الفكر المادي يُعد خطيئة اكبر و يحتاج الى وٍقفة طويله نجري فيها حسابات تقييم جديّة للبحث عن مكامن الخلل وإعادة النظر بما تسوقه تلك الابيدولوجيات .
إن أخطر ما يمكن ان يحدث هنا، أن تلك القوى التي حملت لواء التحرير و التغيير والاصلاح والتقدم ، باتت تشكل خطورة على اهل بيتها ، أكثر من خطورة بعض الانظمة التي يراد لها التغيير ،إذ عرضت نفسها ليس للشعب بل للعدو الذي صارعته عقود وعقود ، فقد أبدت الأستعداد لتولي الحكم أو المشاركة به برعاية ذلك العدو وإقراره ان أراد وبشروطه التي يُحب ، فالثورات العربية كشفت هشاشة فكر اولئك البشر من الناس الذين بدأ انهم يفزعون لوطنهم بهدف اقتسام الكعكة وليس لخلاص الناس .
في دول غير عربية شهدت تغييرا في الحكم والانظمة ، كانت الناس تحتفل بالنصر والتغيير ، وعندنا تبدأ المعاناة وتبدأ الفوضى بعد أن نحقق الهدف ، فنتباكى على الأيام التي خلت في عهد الظلم والجبروت والحكم المتسلط ، لأنك كنت تعرف اين تكمن المشكلة ، سواء في النظام او راس النظام ، بينما في حالتنا ، تواجه بعد الثورة والاصلاح اكثر من رأس نظام واكثر من فكر واكثر من تاجر وأكثر من متسلق ، قد يجعلك اي منهم سلعة يبادل فيها مصالح بمصالح ، أو شعب بشعب ، أو وطن بوطن !!