بعيداً عن المزايدة ، أو الأدعاء بإمتلاك الحقيقة ، إعتبر ، يحيى أحمد حسين ، القيادي في حركة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة في مصر ، أن المعاهدات والعلاقة مع إسرائيل ، تستوجب التعامل معها بواقعية وأن " الحكمة تقتضي مراعاة الظروف ، بإحترامها في الوقت الراهن ، حتى تسنح الفرصة لأعادة النظر فيها وتعديل بنودها " .
كلام واقعي ، يخلو من الرضوخ للواقع ، أو الأستسلام له ، مثلما يخلو من المزايدات والأنفعال ، والأدعاء بإمتلال أدوات التغيير لمعطيات ، ترسخت بفعل الزمن ، حصيلة التخلف السياسي والأقتصادي الذي ورّثه النظام السابق ، ومن الصعوبة القفز عنه بخطوة أو خطوتين تحت إلحاح الرغبات الذاتية ، أو القناعة بوجوب إستعادة الحق وتحقيق العدالة ، فالحق والعدالة يحتجان لثمن يجب دفعه لنيلهما .
لم يستطع نظام حسني مبارك السابق ، وكل أطراف النظام العربي ، بجناحيه الملكي والجمهوري ، من تعديل الميزان أمام تفوق العدو الأسرائيلي ومشروعه الأستعماري التوسعي على أرض فلسطين ، ولهذا يجب أن ننظر إلى إتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو بإعتبارها حصيلة موازين قوى فرضتها عوامل محلية وعربية ودولية ، وليست نتاج العدالة أو متطلبات السلام أو الرغبة في التعايش مع طرف يتجه نحو المصالحة وحُسن الجوار وإحترام المصالح والقيم لبلادنا وشعوبنا وأمتنا ، بل إن أفعال الأسرائيليين وإمعانهم في إجراء تعديلات على الأرض بما تتعارض مع إتفاقات المرحلة السابقة ، تستوجب على الجانب العربي ، وخاصة المصري والأردني والفلسطيني ، خلق الحقائق المادية والبشرية على الأرض ، لتعديل موازين القوى لتنعكس على الأتفاقات الموقعة المجحفة بحق الشعوب العربية ، وبحق المسلمين والمسيحيين ومقدساتهم .
الأسرائيليون يلعبون بالنار ، وبالتأمر والتخريب ، ولم يكونوا ، ولن يكونوا بعيدين عن تدمير العراق وإحتلاله ، ولم يكونوا ، ولن يكونوا بعيدين عن تعميق أزمة السودان وإنقسامه ، مستغلين نفوذهم وتفوقهم وتأثيرهم على مصادر صنع القرار الأميركي سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإقتصادياً ، تنفيذاً لمصالحهم الأستراتيجية ، ومشروعهم الأستعماري التوسعي ، مما ينعكس على إعلاء منطقهم الأمني والأستخباري بهدف إضعاف المشروع العربي التقدمي وتمزيقه .
القيادي ، في حركة الإخوان المسلمين ، يحيى أحمد حسين ، لم يكن المبادر ، في إعلان الموقف من إتفاقات كامب ديفيد ، بل ما قاله تم بناء على حصيلة قرار ، ونتاج موقف " الجماعة والحزب " مما يدلل على واقعية قيادة حركة الإخوان المسلمين ، وعدم وقوعهم في أسر المبادئ وقيودها ، بل هم أسرى الواقع ومعطياته ، وبرزت واقعيتهم ، حينما كانوا في المعارضة وإنحنائهم أمام قوة خصمهم المحلي وبطشه ، وها هم يزدادون واقعية حينما وصلوا إلى السلطة بفعل التغيير وصناديق الأقتراع .
حركة الإخوان المسلمين اليوم ، هي التنظيم الأقوى العابر للحدود في العالم العربي ، وسيكون موضع مراقبة وتدقيق ، ليس بفعل شعار " الإسلام هو الحل " بل بفعل برامجهم وقدراتهم على حل المشاكل العويصة التي خلفها النظام العربي غير الديمقراطي للشعوب العربية ، وفي طليعة ما أفرزه النظام السابق مضامين كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو غير المنصفة بحق الشعوب العربية وكرامتها ، وها هم في أول خطواتهم نحو السلطة ، وإستلامهم لها ، يدفعون ثمنها عبر تكيفهم بإستحقاتها من خلال تعاطيهم مع الواقع ، وقبولهم بمظاهره ونتائجه ، وذلك عبر إعلائهم بصراحة إحترامهم وقبولهم للأتفاقات الدولية ، بما فيها كامب ديفيد طبعاً ، ولو إلى حين ، وإلى حين هذه لا أحد يعرف مداها من الوقت والزمن .
كلام المعارضة غير كلام السلطة ، وحركة الإخوان المسلمين اليوم ، ليست مثل الأمس ، فهي تمارس الحكم الأن أو تشارك فيه ، عبر صناديق الأقتراع في المغرب وتونس ومصر ، وهي شريك في الأنظمة القائمة غير الديمقراطية في الجزائر والصومال والسودان والعراق ، وتتحكم بالسلطة منفردة في قطاع غزة ، ولهذا ستكون موضع مراقبة وتدقيق ، من قبل المعارضة الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية ، وستتم محاكمتها في ضوء إنجازاتها بالملفات الثلاثة : 1- معالجة المشاكل الأقتصادية والأجتماعية 2- معالجة القضايا السياسية العالقة ، المحلية والقومية والدولية 3- إرساء قيم تداول السلطة والديمقراطية وحقوق الأنسان . فهل تفلح أما أن تكرار هزيمة اليسار في الحرب الباردة ، وفشل التيار القومي في العناوين الثلاثة ، ستتكرر مع حركة الإخوان المسلمين ومجمل فصائل التيار الأصولي ، وتكون فترتهم إنتقالية ، لبزوع دور الليبراليين المغيب ، بغياب الديمقراطية وأنظمتها وسلوكها ومعاييرها .
كلام الإخوان المسلمين ، وواقعيتهم في التعامل مع الأتفاقات الدولية ، برزت تعبيراته الفلسطينية في موقف حركة حماس التي قبلت المجيء إلى صفوف منظمة التحرير بدون شروط مسبقة لا سياسية ولا تنظيمية ولا حزبية ، بل على قاعدة الشراكة حيث ستتم إعادة بناء منظمة التحرير وتوسيع قاعدتها التمثيلية لتشمل التيار الأصولي الذي كان رافضاً الأعتراف بمنظمة التحرير والإقرار بدورها كممثل شرعي وحيد للشعب العربي الفلسطيني .
تطورات واقعية عملية ملموسة أملتها معطيات ونتائج ثورة الربيع العربي المعادية للون الواحد والحزب الواحد والعائلة الواحدة والقائد والطائفة والتفرد بإدارة النظام والسلطة ومؤسسات صنع القرار ، ونقيض ذلك ما أفرزته ثورة الشارع العربي عبر فتح بوابات الشراكة نحو التعددية وصناديق الأقتراع وتداول السلطة ، وهذا ما يجب أن يتم في غزة وفلسطين كما جرى في المغرب وتونس ومصر ، وما سوف يجري في الأردن واليمن وسوريا وكل مكان عانينا فيه ومنه من النظام العربي غير الديمقراطي .