يعتبر موقع رئيس جامعة رسمية من المواقع الأكاديمية القيادية الرفيعة في الأردن وسواه من الدول التي تستثمر في مؤسساتها العلمية خصوصا وأن هذه المؤسسات تلعب دورا في صياغة فكر الأمة ناهيك عن مساهمتها في رفد وتخطيط القوى العاملة.ولطالما اعتقد سابقا وربما ما زال يعتقد بدرجة أقل أن الشخوص المرشحة لقيادة المؤسسات الجامعية ينبغي أن يتوفر فيها سمات وخصائص علمية وقيادية مميزة تمكنها من ارتياد آفاق جديدة ،ومن التجاوب مع المستجدات البيئية والاجتماعية. لم يألف الأردنيين أن يقدم رؤساء الجامعات استقالاتهم من العمل حيث غالبا ما يلتصق هؤلاء الرؤساء بمواقعهم ويشدون عليها بالنواجذ ليس بالطبع حرصا على إكمال برامجهم وتصوراتهم الرامية لتطوير الجامعات ولكن طمعا في الاستمرار وربما الاستمراء في التنعم بالمياومات والجاه والسلطة والإبتعاث للأقارب والأنسباء والمحاسيب .
ظاهرة جديدة في أوساطنا الجامعية تتعلق باستقالة القيادات الجامعية بمسوغات ظاهرها الرغبة في اغتنام فرص وظيفية أخرى وباطنها ربما شعور هؤلاء الرؤساء بأن الدولة تتخلى عن الإيفاء بمسؤولياتها المالية نحو هذه الجامعات في الوقت التي تتدخل في إداراتها سواء بابتعاث الطلبة دون دفع المستحقات والرسوم، أو من خلال التدخلات الأمنية التي لم تتوقف في تعيينات القيادات الجامعية.لقد طالعتنا الصحف باستقالة رئيس الجامعة الأردنية وقد سبقه استقالة مسوغة ومبررة وغاضبة من رئيس مجلس أمناء نفس الجامعة، وكذلك استقالة رئيس جامعة مؤتة وربما الحبل على الجرار. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تستقيل مثل هكذا قيادات؟ وهل أصبح موقع رئيس جامعة موقعا غير جذاب وغير مطلوب؟
رؤساء الجامعات الأردنية الرسمية في وضع لا يحسدون عليه فبعد أيام قليلة من التمتع ببريق الموقع الرئاسي تبدأ رحلة العذابات في تدبير الرواتب الشهرية للعاملين فيها خصوصا في ظل المديونيات العالية التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من هذه الجامعات إن لم يكن جميعها. من ناحية أخرى فإن انتقال عدوى الربيع العربي إلى الجامعات وتزايد المظاهرات والإعتصامات ومطالبات الهيئات التدريسية والإدارية بحقوقها وتحسين أوضاعها لا بل المطالبة بتغيير الرؤساء أنفسهم ونوابهم قد زاد من صعوبة الأوضاع التي يعيشها رؤساء الجامعات خصوصا وأن هؤلاء الرؤساء بنظر العاملين في الجامعات وكذلك المجتمع المحلي يمثلون الحكومة في الوقت الذي لم يعود هؤلاء الرؤساء يستطيعون فعل شيء فأيديهم مغلولة ومكبلة، والحكومة لا تأبه بالجامعات والعاملين فيها، وبدأ أعضاء هيئة التدريس ممن يمتلكون الكفآءت والخبرات المميزة يتركون عملهم أيضا، وبدأت الجامعات تستقبل حملة الدكتوراه من الصفوف الخلفية ومن خريجي دول وجامعات لم نسمع بأسمائها التي تشبه أسماء الشياطين .كل هذه الأمور تجعل من عمل رئيس الجامعة عمل بيروقراطي يركز على تسيير وتسليك الأمور يوما بيوم ويصبح الحديث عن سلوكيات الإبداع والتميز والتطوير والتجديد ونقل التكنولوجيا والانتقال إلى الجامعة البحثية حديثا نظريا وخطابيا يكتبه المراسلون الصحفيون وتبثه شاشات التلفزيون في الوقت الذي ينشغل الرئيس بمديونية جامعته وقلة حيلته في التأثير في مسيرة وتطور الجامعة التي يتشرف برئاستها.
لقد نبهنا سابقا للخطر المحدق بالجامعات الرسمية وتراجع أدائها، وانتشار العنف الطلابي في أوساطها، وتجرأ الطلبة على إدارات الجامعات ومنعهم الرؤساء من دخول حرم هذه الجامعات ،ومطالبة بعض ممثلي القبائل بتعيين أبنائهم وتدخلهم في تعيين نواب رئيس الجامعة والأهم من هذا كله الوجوم والإحباط الذي يسود في أوساط الهيئات الأكاديمية والإدارية جراء تآكل مرتباتهم ،وازدياد أعداد الطلبة في الشعب الدراسية ،وسلوكيات بعض الرؤساء المارقين الذين أداروا الجامعة على طريقة شيخ القبيلة واتخذوا كثيرا من القرارات العشوائية التي تبقى تبعاتها وتأثيراتها السلبية لسنوات كثيرة قادمة. دق ناقوس الخطر في الجامعات وها هم بعض رؤساء هذه الجامعات يترجلون حيث لم يعد بوسعهم القيام بمسؤولياتهم القيادية في ظل تخلي الحكومة عن دورها في دعم هذه المؤسسات التعليمية المهمة في وطننا العزيز مكتفية بانشغالها في التعامل مع مظاهرات يوم الجمعة وإضرابات بعض الموظفين والمهنيين هنا وهناك ولا أستبعد أن تنتشر عدوى الإضرابات هذه في أوساط المدرسين والإداريين في الجامعات الرسمية إن لم تستدرك الحكومة تجاهلها لمشاكل الجامعات.