المجتمع الأردني يعيش ظروفاً استثنائية غاية في التعقيد، فقد أُبتلي تحت ضغط السياسات المرتجلة وحماقة العقليات البالية المتخلفة وجشع الطارئين على المناصب، بأخطر ما يُمكن لمجتمع أن يُبتلى به من فساد وإفساد وتعسف وإذلال واستهتار بمصالح الوطن والمجتمع الحيوية، حتى أصبحت ممارسات الفساد السياسي والمالي والاداري تُمارس بشكل فاضح ومكشوف، وأصبحت جريمة سرقة المال العام ونهبه مسألة اعتيادية وقاعدة عامة دارجة.
لذا فإن كشف الحقائق والاعتراف بالأخطاء والخطايا، وتحديد المسؤوليات، كفيل بإعادة الثقة للدولة ونظام عملها، حيث أن المحاسبة والإعتذار والجزاء والثواب والتعويض والإنصاف وترسيخ الحقوق وحمايتها وإعلان الحريات وتتويجها، تُشكّل روح وجوهر إعادة الثقة التي أساسها الحوار الحر وقول الحقيقة وإعلانها، وهنا فإنه من الضرورة إدراك أن تحقيق العدالة واجبة وضرورية، فالمُدان أمام الشعب هي الدولة لا الحكومات.
إن حكومة السيد عون الخصاونة حتماً لن تقدر على إخراج "الزير من البير" وليس بإستطاعتها أيضاً إصلاح ما افسدته حكومات متعاقبة، وندرك أن العبء ثقيل، فواقع الحال يشير الى أن "العطب" أصاب معظم أجهزة ومؤسسات الدولة، ونخشى أنه لم يَعد أمراً قابلاً للسيطرة أو العلاج، حيث إتسعت ملفات الفساد لتمتد من "الكبار" الى "الصغار" والمسؤولية هنا ليست مسؤولية حكومة بعينها، بل هي مسؤولية جماعية تراكمية لحكومات كربونية هشة ضعيفة، عزيمتها من كرتون، تتشابه في آليات تشكيلها، وضعف أدائها، منقوصة الصلاحيات، قليلة الحيلة والهمة والقدرة، فسقطت جميعها أمام أبسط الأزمات، وندعو الله أن لا يبقى "الحبل عالجرار"، حيث أصبحنا لا ندرك ولا نفهم ما يحدث، وينطبق علينا المثل "رايحين الى الحج والناس راجعة"، وبات حالنا حال ذلك الذي يقصّ في أثر الجًمل وهو يراه بأم عينه!.
لن نكون من الذين يجمّلون الصورة وهي مهترئة، فواجبنا الوطني يلزمنا الإعلان بأنه مهما كان "الغطاء" أو المبررات، فإن الزمن لا ولن يعوذض الخسائر أو يضمد الجراح، ولقد آن الأوان للأردنيين بأن ينعموت بوطن حر عزيز منيع ودولة عادلة نزيهة.