في يوم واحد تصدر ورقة جلب ضد المعارض العقيد المتقاعد أحمد عويدي العبادي، ومدير المخابرات الأردنية الجنرال محمد الذهبي،وكلاهما من متقاعدي جهازين امنين مهمين، وذلك بعد عودة جلالة الملك، من أمريكا، يتزامن ذلك مع استقالة عضو مكافحة الفساد د عبد الرزاق بني هاني الذي قالها بصراحة أن مكافحة الفساد تتوقف عندما يتعلق الاقتراب من احد اخطر ملفات الفساد والتغول وهو برنامج التحول الاقتصادي الذي خططه ورسمه باسم عوض الله.
هذا الشكل الإعلامي الذي صدر خبر كان ممهد له ، عبر عدة مواقع بان جنرال امني على وشك المحاكمة، وتم تهيئة القراء بأنه مسؤول عن تحريك الشارع الأردني ويقوم بدفع مبالغ مالية لتحريك أعمال شغب، بل أنه المحرض الرئيس ضد جلالة الملكة رانيا وما يقال عنها وفسر بان هذا فك لغز كلام الملك بأنه يعرف من يسيء له والى بيته.
في الشكل السياسي يظهر هذا الخبر المختصر لأكثر ما نشر، بأنه استغناء سياسي، وتمهيد لمواطن متلقي غير مطلع، وطبعا التهمة من فساد مالي واستغلال وظيفي جاهزة، لتضع في رقبة محمد الذهبي مثل عامر البشير وغيره، وانا لست هنا في تحليل أي موقف أو تهمة اقتصادية وذلك لأنه ليس من اختصاصي بل بيان وجهة نظري سياسيا مجتهدا براي الخاص.
قبل الحديث عن الذهبي والعبادي، ثمة مسائل مهمة يجب أن نصل إليها، أن تأخر الدولة في الإصلاح الحقيقي وليس الورقي هو الذي فتح، الباب لحالة التطاول على الدولة، وعلى الملك شخصيا، وهذا هو ما يقال بالأمن الناعم، وهناك ثوابت تضع أي نظام عند نقطة أكون أولا أكون أمام قوة واستمرارية،او مشاهدة تطاول المعارضة،في النظام الملكي لا يوجد منطقة وسطى، دوما بين نظام مطلق الملكية ومسيرات شعبية ليس لها سقف للحرية.طالما أننا نعطل قيام حكومة برلمانية تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.
ثانيا إن المواطن الأردني لا يتحرك بقوى خفية أو دعم مالي ما ينزله الى الشارع، أو يشعله غضبا بل لسببين رئيسين أولهما ضيق الحال المادي الذي وصل إلى اغلب عائلات الأردن، وثانيه هذا الضخ الهائل من المعلومات التي يثبت اغلبها حول حجم الفساد الذي وصلت إليه الدولة فاغلب ما يشاع عن الفساد به مربوط بالدولة نفسها مثل برنامج التحول الاقتصادي وتزوير الانتخابات وموارد وبيع المؤسسات وصفقات الخصخصة، وما يقال في عدد قليل في الحراك يتبادل على شفاه الأردنيون وهذا ينتج حالة انعدام ثقة تلقائية يدخلنا إلى قراءة حالتي العبادي والذهبي.
أولا ما قاله احمد عويدي العبادي خطير وأشبه بانقلاب ، ولكن لما يلاحق احمد عويدي العبادي من قبل امن الدولة، لكلامه؟ نعم هو دعوة وتحريض، ولكن ما قاله كان بين عشرات من ضباط المتقاعدين العسكريين ولم نجد من يستنكر هذا، عندما وقف وقال جزء من خطابه، فيما كان الباقي والأخطر في حديث العبادي لقناة ديز أن على الانترنت.والعبادي لم يتحدث بجانب نهار العبيثا أو طراد السواعير او مضر زهرانوهم المعارضة الخارجية بل من وسط عمان وأمام الدوار الرابع لذا قبل قبل سجن العبادي على كلامه الخطير، كان الأولى قراءة المحيط به في تلك الساعة، لان اليوم ما يجري ليس مناطا بشخص مهما كانت أهميته، أو قوته هناك حراك مجتمعي لا تشعله شرارة الإخوان ولا شخص العبادي بقدر شعور جمعي لمن يشوى بنيران الفقر والظلم والغيرة على وطنه. والعبادي رجل دفع ثمنا باهظا من استقواء الأجهزة الأمنية، وعدم سعينا لفهم طرحه فهو ليس رجلا مشاكسا بقدر شرق أردني يميني اطر واحته طبيعية بالنسبة لفكره، وكذلك تعرضه للعسف عدة مرات من ألطبعي أن ينتج خطابه السابق والحالي فالرجل سجن سنتين على قضية اختلاق الكتروني وغيرها.
أما الباشا محمد الذهبي فهو أسطورة حقيقية يحتاج لقراءة توسعية، كبيرة، ولا يمكن تمرير قراءتنا له عبر القفز عن التزوير الفاضح لانتخابات 2007 الذي كان منغمسا بها لاخمصيه وكان احد المستفيدين منها احد أقارب خليفته بإدارة المخابرات،وكما قلنا هنا نقرا السياسية وليس الإدانة لأنها من حق القضاء ولكن ما يحاك للذهبي سياسي وليس مكافحة فساد.
لنعود بتاريخ قليلا فالنخب المتابعة كانت تتفاجا عندما انفصل الصديقان باسم عوض الله ومحمد الذهبي وتحولا لعدوين وكان كل منهما يمسك ثلاثة ملفات مهمة أولها حكومتا الظل الأمنية والاقتصادية، وثانيها تزوير انتخابات ،2007 وثالثها ولاية الحكومة التي كانت مغتصبة من كل رئيسي الوزراء معروف البخيت ونادر الذهبي.وكان الذهبي وعوض الله شركاء بالحكم والتزوير وحتى الفساد وشاء الله أن تكون حكومة نادر الذهبي قاصمة الظهر بين هاتين الصداقتين، فتحاولا لعدوين كشف الله بخلافهما أكثر ملفات الفساد والاستقواء على الشعب المسكين، ولا انكر ان تحرك الذهبي انقذ ما كان ممكن بيعه.
اُخرج الذهبي من إدارة المخابرات بعد أن غضب عليه جلالة الملك لأنه اتهم ببناء قوى تحالف ضد رئيس الديوان الملكي أولها التقارب من الإخوان المسلمين، في أكثر أوقات قربهم من إيران، وكذلك استغلال سطوة المخابرات ماليا وامنيا لتوجيه مواقع الكترونية وكتاب صحف لتوجيه هجمة قوات خاصة لفضح باسم عوض الله،لكشف فساد مشاريعه الاقتصادية وكذلك إجراء تحالفات عشائرية ضد مشاريع قيل أن باسم عوض الله يصنع مع صائب عريقات تجهيز ليكون الأردن وطنا بديلا مع إجراء عمليات تجنيس بإعداد هائلة.
طبعا هذا الهجوم الذكي من الذهبي أجبر الملك على أن يقيل عوض الله من منصبه ومن ثم يفقد الأخير أي أمل بالعودة لأي منصب بعد حرق شعبيته في الشارع الأردني وانكشاف أمره بأنه ليس مخططا استراتجيا بل سمسار صفقات على سحاب الشعب الأردني.
الذهبي نال غضب الملك الذي رفض تعينه بمجلس الأعيان، أو مقابلته ولو لمرة واحدة، وهناك من استغل غضب الملك وراح يقنعه بان الذهبي هو من يقود الحراك ضده قبل الربيع العربي وبعده، وتم هذا عبر ضباط ومسؤولين كبار يكنون الكراهية للذهبي، وعليه فمن السهل إلصاق كل ما قيل له.
كنت أود كتابة مقال أرجو به الاستفادة من قدارت الرجل الجنرال بدل عزله، في هذا الوقت الحرج، وان كنت أتوقع أن عزله المذل سبب لديه، نزعة انتقام ولكننا ليس بتلك التي تجعله يحيك ضد النظام، فالرجل تعرض لهجوم مبالغ فيه ضمن إعلاميين لم يحظوا بمغانمه، ومن ضباط مخابرات نالهم إقصائه وما قيل عن الملكة رانيا ليس ذنبها بل خطيئة شقيقها مجدي الياسين الذين خان الإخوة والنسب إن صح ما نسب إليه، وكذلك خالها جمال الراسخ وما يقال عن توسع ثروته، وكل من نصحها بتعيين موظفي مكاتبها كوزيرات، أو توسعة مؤسستها نهر الأردن ومشاريعها ، فلا يوجد في الدستور الأردني شيء اسمه صلاحية جلالة الملك وهذا من الدستور وليس تعاطفا، وهذا ليس بدعة محمد الذهبي أو العبادي بل مختصر أطروحة ضباط المتقاعدين العسكريين في بيان أيار الذي سبق الربيع العربي. اتمنى إن يمد الله بعمري وحريتي كي اكتب عن محمد الذهبي بتوسع .
مختصر قولي أن من يقول للملك بان مشكلته مع احمد عويدي العبادي .أو محمد الذهبي يخدع الملك، الشعب يريد النظام الأردني وحكم الملك ولكن مشكلتهم مع من حوله ومن يستغلون قربهم من الملك وعلينا ان نقرا الحالات اليوم بتحليل جمعي وليس شخصي والقوة والهيبة اليوم بالإصلاح وليس بالسجون، ونرجوا أن نشهد مكافحة فساد شاملة لا تمزج بتصفية الحسابات.