لسوء الحظ أو لحسنه حصلت على تأمين صحي من عملي في أحد المستشفيات الخاصة في الأردن ، وكانت فرحتي كبيرة بذلك لما تتميز به هذه المستشفيات من نوعية وجودة في الخدمات الطبية التي تقدمها ، وكذلك على حد علمي كفاءة الكوادر البشرية والتمريضية التي تتوفر فيها ، وذلك مع علمي التام بأن هذه المستشفيات تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط المعاملة الإنسانية لمن لا يملك المال الكافي لسداد نفقات العلاج ، أو أنه قد لا يملك المال في اللحظة الطارئة التي يحتاج فيها إلى هذه الخدمة .
في تلك اللحظة الطارئة بعد منتصف الليل برزت الحاجة للاستفادة من التأمين الصحي الذي أملكه ، وهو الذي يحدد للمستفيد مستشفى بعينه فقط ، ولكن الكارثة الكبرى أن الأخوة الليبيين احتلوا الأرض قبل أن يحتلوا السماء ، ولم يتركوا مكاناً فارغاً لنملة ، والمستشفيات الخاصة تعتذر عن استقبال أي حالة من المواطنين الأردنيين لأن نسبة الأشغال أكثر من 100% .
في تلك اللحظة ولأن الحالة حرجة جداً استطعنا تأمين سرير في غرفة العمليات لكي ينام عليه المريض حتى الصباح ، على أمل خروج مرضى منومين من المستشفى، ويا لكثرة التناقضات التي عشناها في المستشفى ، فعلى حد علمي بان طبيب الأسنان يؤتى ولا يأتي ولكن صدقوني أن أحد المرضى الليبيين وهو ممن أجريت له عملية جراحية في مكان ما من جسمه ، شعر بان أحد أسنانه يؤلمه ، وعلى الفور هرع فريق كامل من المستشفى وطلبوا بحضور طبيب الأسنان لمعالجة المريض الليبي وهو في سريره . بينما مواطن أردني في حالة حرجة لا يوجد له كرسي أو "برميل" يجلس عليه في المستشفى ، وهي كلمة واحدة على لسان الكادر الإداري " لا يوجد لدينا شواغر " .
وعند البحث في الحالات المرضية للأخوة الليبيين ، نجد أنها في الكثير منها حالات مرضية غير مزمنة وغير مستعصية ، ولكن الحكومة الليبيبة الجديدة لكسب ود الشعب ، أعطتهم حق السماح بالعلاج الكامل والمجاني بما في ذلك تذاكر الطيران و " Pocket Money " أسبوعي يبلغ 300 دولار . فمن الحالات التي شاهدتها في المستشفى مريضة جاءت لعمل زراعة للإنجاب مع أن لديها 4 أطفال ، وآخر عمره ما يقارب 85 سنة لم يعد قادراً على المشي بحكم السن ، جاء لتغيير "ركبه" .
في خضم هذه الأحداث التي عشتها لفترة قصيرة لم تتجاوز 24 ساعة ، تعززت نظرتي المتشائمة بأن الأردني في بلده مواطن من الدرجة الثانية ، ولا يوجد من ينصره أو ينصفه ، فوزارة الصحة غائبة أو مغيبة عن ساحة المستشفيات الخاصة والعلاقة بينهما علاقة مصالح تربط أشخاص مع بعضهم ، فمن هو وزير للصحة اليوم سيكون غداً مدير مستشفى خاص أو أكبر جراحي ذلك المستشفى ، أما جمعية المستشفيات الخاصة فهي تنظر بعدم أحقية العلاج للأردني بما أنها تقيم العلاقة معه من منظور الربح والخسارة لأن الليبي أو الخليجي " صرة مصاري متنقلة " مقارنة بالأردني الغلبان .
على كل حال فإن جمعية المستشفيات الخاصة على لسان رئيسها ؛ صرحت مشكورة بأن المستشفيات الخاصة سوف تنظر إلى كل حالة مرضية من الأردنيين على حدة ، وبالتالي سوف تقرر وفقاً لذلك مدى حاجته للإدخال أم لا .
وصل الفساد في السابق إلى الطعام والغذاء والتعليم والآن وصل إلى الصحة ... عجبي على وطن يباع ويشتري وتقول فليحيا الوطن !