لم أكن اتخيل ان الجماعة الأسلامية في الأردن وصلت الى حد الجرأة الحادة أو الغطرسة في مواقفها وبياناتها وتصريحات المتغطرسين والناكرين لجميل نظام وشعب قدم لهم الكثير ، لم ُيلاحقوا في أرزاقهم كما جرى مع غيرهم من باقي المنتسبين للأحزاب ، لم يُعذبوا أو يُسجنوا ، ولم ُتنزع عنهم جنسيات، ولم تصادر لهم جوازات سفر أو هويات حتى في ذروة الحكم العرفي وبركسات الجفر القاسية ، عملوا بحرية ورخاء وكبروا حتى قوى عودهم ، كانوا فتى النظام المدلل ، ولما ألمّت بالدولة أزماتها ، وضعفت مواردها ، وخانها من خانها وكسر مجاديفها ، ركبوا موجة الجانحين والعاقّين لبلادهم ، تارة يهددون بثورة وعصيان ، وتارة يستقوون ب " الصليبي " والشيطان الأكبر على بلادهم ، يرفضون الحوار واللقاء هنا ، ويرحبون به في لندن وانقرة وسويسرا ولا ندري غدا أين سيكون !
اقول هذا بعد أن صدر و بكل أسف لأحد المتنفذين من جماعة الأخوان المسلمين تصريح حول إمكانية فتح الحوار مع الامريكان والانجليز !! في موقف أو صورة باهتة رديئة لطبيعة تفكير الجماعة وطرق تعاملها مع النظام الأردني ، وكانوا هم أنفسهم يلاحقون قضائيا كل من يشكك حتى بلقاءات تجريها الحركة مع الأمريكان قبل اقل من خمسة شهور ، بالرغم من أن هناك من يؤكد فعلا تلك الحوارات ، الحوار المقترح سيكون هدية مجانية تقدمها الحركة لأعداء الأمة ، لأنها ستجري مع جماعة تتفق ولو في السر مع مشاريع التجنيس والتوطين والحقوق المنقوصة ، لعلها تساهم بتحقيق مكاسب جديدة تظاف لمكاسب اسرائيل في التوسع وطرد اصحاب الأرض الى الوطن البديل ، ولكن ماهو المقابل الذي ستحصل عليه الحركة من الحوار مع الانجليز والامريكان ؟ فلكل حوار هدف وبرنامج ، البرنامج الأميركي معروف للجميع ورأس هرمه خدمة المشروع الصهيوني في التوسع ، ولكن ماهي اهداف تلك الحركة في اللقاءات مع الامريكان ؟ ماذا سيقدم الأمريكان والانجليز لُمذل قاسر خاسر حين ينشده ويهدد به نظامه وشعبه ! الحوار مع الانجليز والامريكان مضاد ومعاد لشعب أرض الحشد و الرباط ، هل كان على النظام أن يستجيب لكل شروط الحركة ويثير في البلاد فتنة هذا شرقي وذاك غربي ! ، وإن لم يحصل ، فهل التهديد والوعيد والاستقواء "بالعم سام " قاتل الاطفال في غزة والقدس وبغداد وتورا بورا وغوانتنامو وكل بقاع المسلمين يليق بمن يتحدث عن أرض الرباط والحشد والتحرير والعودة !! أم هي فوضى الاستقواء بالغرب على بلاد العرب والمسلمين كما هي دعوة الاخوان في سوريا لضرب شعبهم بأسلحة الغرب الأن !
لازلتم تلوحون لابناء الوطن بسرقة مكاسبهم من خلال ما تدعون اليه من توزيع للمقاعد البرلمانية حسب الكثافة السكانية ، لأنكم تدركون ان لا منفس ولا مكان لكم خارج تلك المواقع بعد أن انكشف سركم لدى الناس أجمعين ، تدعّون الأمر بالمعروف وتهددون شعبكم ونظامكم بحوار مع الغرب ! ولا تنهون عن فتنة اصحاب الحقوق المنقوصة المطالبين بالتجنيس وتفريغ أرض " الاسراء والمعراج من سكانها " وتهيئون لوطن بديل على حساب شعب الحشد والرباط ، تعتقدون أن واقع الحال في الأردن كما الحال في تونس ومصر او دمشق ، فركبتم حراك الناس ،تارة بأسم الدين الذي بات وشاحا لا اكثر تطوقون به بياناتكم وتصريحاتكم ، وتارة بأسم الإصلاح الذي نأيتم بأنفسكم عن المشاركة بكل حواراته وفعالياته ، وبقيتم تغردون خارج السرب ، تلوحون بالدماء وتتغنون بالشهداء وتهددون بالاعداء ، واهمون أن الناس لكم ومعكم ، استغليتم ضعف الحكومات لتمرير مطالبكم التي عجز حتى من هللتم لرئاسته بالاستجابة لها ، واودعتموه حِملا لا يقوى على حمله ، ومطالب لا يجروء على تحقيقها إرضاءا لكم ، لأنه يدرك ان هناك فئة واسعة تتجاهلونها من الشعب لن تقبل حتى ان تسيروا في مسيرة تنكر مطالبهم وحقوقهم ومكاسبهم التي لا تعترفون بها أصلا ، ويدرك ان البلاد ليست لكم وحدكم .
سياسة التخويف والتهديد التي تمارسها الحركة كما تفعل الجماعة في سوريا وقبلها في تونس ومصر لن يقبلها أحد حتى من قبل اولئك الذين يخرجون للشارع مطالبين بالإصلاح ، فهناك فرق كبير لم تلمسوه بعد بين مطالب الناس بالإصلاح ومحاربة الفساد ، وبين من يحاول تهميش حقوقهم والتعد على مكاسبهم التاريخية من خلال الاستقواء بالعدو ، فالنظام لازال يعترف ويكرّس ويحترم حقوق ابناء الوطن من حراثّي الأرض في البادية والقرية والمدينة ، فهم يمثلون جزءا عظيما من شعب قل سكانه أو كثر ، وليس المعيار بعدد السكان ، بقدر ماهو بعدد من يعشقون الأردن ولا يستقوون عليه بدخيل أو عميل أو طاريء ، ولأن لهم تحت الارض قبور كُثر لأجداد ماتوا وهم يوصون بالاردن خيرا , شعبنا لم يجد فرقا بين أطراف المعادين له ، بين من ينهب خيرات الأمه ويبيع ثرواتها ، وبين من يستقوي على شعبه وبلاده بعدو كان للأمس شيطان أكبر ليسانده في نهب مكاسبه التاريخية ويفرض عليه الحلول التصفوية على حساب هويته وأرضه ، فهل تدركون تلك المعادلة !!