إقرار رفع قيمة الكهرباء على المواطن سيكون مثل الذي يدوس على لغم عامد متعمد، فقيمة هذه الفاتورة وبدون أي رفع يشكل عبئ كبير يواجهه المواطن كل شهر، سيما في أشهر الشتاء حيث لا مناص من مدفأة كهربائية وسخان ماء ، وسميكن حقا مواطنا يهرب من الكاز إلى الغاز فيرتفع سعر الاسطوانة يلجا إلى الكهرباء فترتفع أيضا، فعلى ماذا سيعتمد وفاتورة الكهرباء تستهلك ما يقارب ربع الرواتب وقبل رفعها والحكومة ترى صراخ المواطن وتسمعه عبر تأوهات الأسبوع وصراخ مسيرات الجمعة.
إن اكبر خطأ نمارسه اليوم عدم فهمنا للحراك الأردني،بأنه سياسي ورحنا نتعارك مع الشخصيات، وكبرى الأحزاب، ونبحث عن صفحات الفيس بوك، ونشغل أنفسنا بتخفيف الحراك، دون وعي المرحلة بان المواطن الأردني يعاني من أزمة اقتصادية خانقة،أكثر منها سياسية، انزله للحراك و للاعتصامات، وصلت إلى قمة الخبز وعجزه عن شراء الضروريات، اللازمة، ومنه يخرج غاضبا، يعبر عن راتب قليل ، وارتفاع هائل في الأسعار.
انشغلت الدولة، في صناعة علاج سياسي للحراك لصانعة سدود تمنع امتداد الربيع العربي، مع أن ما يحدث في الأردن خارج المشهد السياسي والنقابي هو انفجار مجتمعي من اتصال الطبقة الوسط مع الفقيرة، التي تنهار دخولها الشهرية مع حمى الأسعار، ومعالم هذه سبقت بكثير الربيع العربي فقد شهد عام 2010 مسيرات واعتصامات عديدة في الشارع الأردني للمعلمين والنقابات والعمال، ولم يكن من هناك يريد أن يسمع سيما مع وجود رئيس وزراء يريد أن يدير البلد بعقلية الشركة وهو سمير زيد سمير الرفاعي، الذي لا يرى من المواطن الأردني سوى جيبه وحجم الضرائب التي يسعى لتحصيلها.
في الاقتصاد العائلي هناك نظرية اكتشفتها اسميتها صفر الدخل العائلي ، وهو المبلغ الذي يدفعه كملتزمات شهرية أساسية لا يمكن تجاوزها للبدء في مصروف باقي أيام الشهر ويبدأ باجرة البيت وفاتورة الكهرباء والوقود للتدفئة والماء ،وبطاقات تعبئة الهواتف، وهذا قبل مصروف التنقل للعمل والدراسة والطعام والشرب ، وإذا حسبنا هذا نحو أصحاب التدخل المتوسط فإننا نصل إلى واقع خطير جدا .
الصفر الذي نتحدث عنه لا يمكن تجاوزه ، ونحن نتلقى خبر ارتفاع فاتورة الكهرباء، ساضرب مثالا لشخص واقعي يعمل معلم مدرسة، كانت فاتورة الكهرباء لديه خمسين دينارا وراتبه ثلاثة مائة وخمسين ويدفع أجرة بيت مئة وثلاثين دينارا ، أي أن الصفر للبدء في الشهر مئتي دينار من ثلاثة مائة وخمسين فكيف تنفق مئة وخمسين دينارا على بيته وأولاده ووجبات الغداء، وطبعا لا يستعمل جهاز مكيف، بل كيزر تسخين الماء والأضواء ومدفأة كهربائية صغيرة.
إذا حسينا مصروف الوقود وأجرة أي بيت فإنها تتجاوز نسبة 50% من دخل رب الأسرة، لذا يظهر هذا انهيار واضح في شح ما تبقى للإنفاق باقي أيام الشهر ومن هنا نرى أن محاولة فك أزمة الموظفين بزيادة الهيكلة حتى مبلغ مئة دينار لأننا لو أردنا الحديث عن مصروف الطعام والصحة ومصروف المدارس والثياب لأصبنا بدهشة والسؤال كيف يتمكن المواطن الأردني من العيش في هكذا ظروف .
طبعا الهيكلة جاءت لموظفي الحكومة، ولكن ماذا عن العمال لدى الحرفين والشركات الخاصة، وأصحاب الرواتب الأدنى أجرا التي لم تستطع الحكومة رفعها عن 190 دينار وما رأيكم بهذا الراتب وقد شرحت قبل قليل عن أولويات الراتب الشهري أي بالأردني الصفيح إذا عمل مواطن أردني بالحد الأدنى للأجور وأراد العيش في بيت مستأجر لوحده فان الراتب لا يمكنه حتى من تناول خبز وفلافل طوال الشهر فماذا سيكون مصير شباب لا يجدون فرصة عمل وان وجدوا ينفقون الراتب على مصاريف الأولية.
هذا ما نريد فهمه سياسيا واجتماعيا قبل أن توافق الحكومة على قانون مؤجرين ومستأجرين أو رفع فاتورة كهرباء، أو السكوت على ابتلاع أصحاب المصانع والشركات للعمل برواتب متدنية، الشعب وصل إلى خط الصفر وكل ما يحدث هو عبارة عن أجراس للخطر الاجتماعي والاقتصادي القادم لا نريد في أي يوم ان تخرج علينا الحكومة لتقول الآن فهمتكم؟