قبل شهر استقلت من حزب الجبهة الأردنية الموحدة والذي كان وما يزال وسيبقى تجمعني به علاقة أخوية متينة جدا، اكبر من عضويتي فقط بالحزب، فطالما أننا سخرنا أنفسنا لخدمة الوطن فهذا يعني أن الطريق واحدة، واستقالتي ليست اعتراضا على نهج الحزب وحده بل على مجموع الأحزاب في الفترة الأخيرة وإيمانا مني أن تغيرات واسعة لا يمكن إنكارها..وهذا لا يعني اني قد أعود بأي فترة قادمة إن قبلوا هم عودتي.
اعتبر نفسي اقل شخص دخل الأحزاب تفاعلا ، وانضباطا، حتى لا يفهم كلامي بأي سوء نية، أو كما فسره بعض الأصدقاء بحسابات شخصية، فانا أؤمن أن حزب الجبهة الأردنية الموحدة له مخزون واسع وزخم من النخب والشباب القادرين على السير في مرحلة سياسية قادمة يجب أن تكون حزبية، حتى نتخلص من كل الشوائب التي أعاقت طريق تطور حياتنا السياسية وفي مقدمتها، الانتماءات الفرعية،و الانسياق وراء المال السياسي مؤقت الدعم،و غياب رؤية واضحة للتوجه السياسي وخاصة في الفترات الانتخابية، وخطورة العمل الفردي بتشظي الرؤية وشتاتها وكذلك سهولة قمع ومحاصرة وبهتان الآراء الفردية .
المستقبل لن يكون سوى للأحزاب التي سوف تفرز رأيا جمعيا ، معترف به وواقعي الحضور، فحتى صفحات الفيس بوك والحركات الشعبية التي نراها اليوم في الأردن شابها التفريق وان وحدتها المطالب فلن تسير في خطوات متماسكة ، وعندما نشاهد أي صفحة أو حراك فلن يكون شبيها في حزب معتمد من سبع محافظات يمثل رأي عدد من كل هذه المحافظات له هيئات منتخبة تمثله.
طبعا إن خضنا انتخابات شفافية لأول مرة منذ عام 1989 فسوف نرى أحجام الأحزاب ومدى فاعلية رموزها ومقدار شعبيتها وقوتها في الشارع والتي سيفتح لها الطريق لتشكيل نسب في الحكومات، وعلى من لم يحالفه الحظ من باقي الأحزاب التوجه للتغول في الشارع وكسب ثقة الفعاليات الشعبية والطلابية والعمالية لتثبيت قواعدهم.
وأمام كل هذا مرحلة الربيع العربي وما تولد عنه فقد نسخت الحياة السياسية بأكملها ، بالرغم من الأردن لم يخض التجربة الحزبية كما نريد مع انه تفاعل معها كثيرا منذ تأسيس الدولة حتى عام 1990،ف بعد السماح بالدخول للأحزاب التي تسمى الوسطية فقد تشوهت الحياة الحزبية،وأول التشويه سيطرة أباطرة السياسية على تلك الأحزاب وعملها دواوين للاستعراض فخلت من أي مضمون حزبي حقيقي وفي جهة أخرى بدأ الكثيرون ينتسبون للأحزاب للتسلية أو بحثا عن مطامع متعددة، دون الدافع السياسي الحقيقي الذي يتشكل لمنتسبي الأحزاب الايديولجية، لذا شاهدنا أحزابا شكلية هشة سقط اغلبها لان تكوينها الأصلي لم يعتمد على رؤية حزبية بنيوية برنامجية تجذب المواطن .. فالسؤال ليس عن سبب أنك أصبحت حزبيا بل لماذا توجهت إلى هذا الحزب.
في المقابل ظلت الأحزاب الايدلولجية سيما اليسارية والقومية تحمل نفس النظريات دون أن ينتبهوا إلى تغيرات العالم، اقتصاديا ولانقلابات التحالفات السياسية، فانهارت مركزيات تلك الأفكار والغريب أن أحزابنا بقيت متمسكة بأثرها بينما استوعبت الحركات الدينية هذا وأجرت مراجعات سياسية وأهمها السلفية الحديثة والإخوان المسلمين بينما بقي حزب التحرير الباحث عن تغيير عبر الخلافة ، وكذلك السلفية الجهادية و وتوابع المذهب الشيعي على ما هم عليه. لذا سوف تنذثر اغلب شعبية أحزاب اليسار والقومية – وهذا ما حدث بعد انتخابات عدة دول عربية تحررت من طغيانها- وسوف ينتج أحزاب أخرى تحمل نفس المبادئ ولكن بمنهج متطور يواكب تغيرات تفكير ومرجعيات المواطن العربي.
لذا أمام هذا كان علي أن انسحب من الحياة الحزبية،طالما أنها متطرفة بوسطيتها ومتحجرة بعقائديتها وتريد حرية وهي ما تزال تعيش في هيلولة القائد والأمين العام، وابق مدونا اقضي الساعات الطويلة في القراءة والبحث ومن ثم التعبير بمادة تمثل فكري البسيط الشخصي، ولأني أؤمن بالانتماء الحزبي الذين أن يكون ثابتا والتزاميا فكان علي أن أستقيل واستقل، وصدقوني أن اغلب الأحزاب ترفض داخليا الخوض في جدليات صراع السياسية الأردنية.
و تأكدت أن قمة تعاطي السياسي الشخصي لدي هو القضية السورية لأنها مفصل هذه القضية والسكوت على نظام وحشي ومناقشة شرعيته المفقودة أصلا وخزعبلات نظرية المؤامرة والممانعة والمقاومة ، أو مناقشة مجازر حمص ودرعا باتهام الجزيرة و الدوحة وهذه تضعني في المنهج القادم للتعامل مع المنطلقات الجديدة، ففيها تأكدت أن الأحزاب اليسارية والقومية متشبعة بملازمة القمعية لإدارة الشعوب، وهذا يخالفني باني اقتنع أن سلطة الشعب هي الأولى والأخيرة.
بينما بنقيض اغلب الأحزاب الساكتة عن جرائم بشار والحالمين بنظرية المؤامرة الكونية نجد العكس لدى الحركات الشعبية الشبابية فيثلج صدرك عندما تسمع انحياز طارق أبو الراغب أو عمر أبو رصاع واغلب الحراكات –غير القومية واليسارية – نحو الانتصار للشعب السوري فاني أجد أن هذه ولادة جديدة وسليمة لأحزاب يحق لها أن ترفع أعلام الحرية، كما أعجبت بتلك الحركات الشبابية إنها جمعية الرأي، بينما اغلب أحزابنا شمولية التفكير هناك من يفكر ويقرر وينشر البيانات باسمك كعضو، وهذه الانفرادية إن كانت بتهميش للأعضاء أو بإرادتهم، تتخالف مع الإنسان العربي الذي لا يجد أي حق لمن يفكر عنه، فأي قرار يصدر من فرد أو لجنة تنفيذية فهذا اضطهاد يشابه الحكومات الدكتاتورية.
الأفضل كان لدي أن انسحب وارى التشكيل السياسي الجدي وتنخيل الغث من السمين ومن ينحاز لحرية الشعوب ومن ما زال يميل إلى فكر قمعي أو نظريات قومية ويسارية دفع ثمنها الشعب العرب غاليا باسم طوارئ ثورة وكلها أحلام يقظة.
واليوم يقف المال عائق يشه امتحان ماروت وهاروت، فأي حزب يعاني من ضعف مالي سوف يعاني وكوادره الأمرين، بينما سيكون أعضاء أي حزب آخر أتباع إن كان هناك سيطرة مادة مركزية على الحزب.
الشكل القادم الذي احلم به مستقبل يتمثل بهدف سياسي وتضحية لجميع الأعضاء المنتسبين له، ويتشكل القرار على أعضاء متخلصين من أي جغرافية أو ذاتية يحرصون على تنمية سياسية وثقافية ذاتية، يحملون بعدا يساريا بالانحياز إلى التغيير، و اشتراكيا بحق الحياة المادية الجيدة للطبقات الفقيرة، ليبراليون بالتعبير الفردي ومحافظين على الوطن عروبيون ولكنهم جغرافيون للوطن، يساعدون بعضهم ماليا بجهد الفقير ومال الغني حتى تتوحد المادة مع الطاقة البشرية يأملون بمستقبل مجتمعي يحصلون منه على المكتسبات الفردية، لكل عضو فيهم طاقته المستغلة والرأي الناتج مكون من كل الأفكار المتفق عليها .. اعرف أن هذا بعد خيالي ولكنه حلم يراودني أن أجد حزبا هكذا..