نستطيع اليوم أن نقول بان إعصار الربيع العربي لا يتمركز بقوة في الأردن، وان عبرها ببطيء بخلاف باق الدول العربية، فان النتيجة انه اليوم يجتاح اغلب مدنها، التي يكسر اغلبها حاجز الصمت ، وهذا يؤدي إلى نتيجة واحدة أن الشعب بات يجمع على أخطاء النظام السياسية والاقتصادية.
وإذا كانت الطفيلة اليوم هي أهم مراكز للصراع بين الدولة والحراك الشعبي، فإنها نموذج لاختزال تلك المواجهة فوزير الداخلية الأردني محمد الرعود من الطفيلة، ومدير المخابرات الباشا فيصل الشوبكي من الشوك اقرب مناطق المملكة للطفيلة،ومدير الأمن العام من الكرك، والأحداث الأخيرة التي نتجت زادت من حدة رفع شعارات المعارضة في الطفيلة، فيما تتعامل الحكومة بحذر مع أن العقول السياسية خطأت الحكومة لاعتقالها ناشطين من الطفيلة اثر أعمال شغب جرت في المدينة،ولم يكن داع لهذا التصعيد، عبر مواجهة شباب عاطلين عن العمل وعدتهم الحكومة بوظائف حكومية وأخلفت ..وكان بإمكانها أن تهديئ غضب الشباب الطفيلي بمحاورته وإعطائه مطالبه الحياتية والسياسة.
الحراك الأردني قدم صورة نموذجية راقية جدا خلال خمسة عشر شهرا خرج بها بشكل مستمر يوم الجمعة، وبفترة محدودة حصرت بين الظهر والعصر، واعتصامات أخرى متفرقة، وإذا أردنا نتدارس نموذج الطفيلة من الداخل نجد أنها مدينة أصيلة للدولة الأردنية و لها تاريخ سياسي قديم جدا، وواجهت الاحتلال التركي بقوى وصلابة قبل الدولة الهاشمية في الأردن، وتعاني من هجرة حادة من السكان، ويعاني سكانها الباقين من بطالة عالية بالوظائف وفقر عام بالرغم أنها مدينة تملك ثورات هائلة مستغلة من قبل شركات الاستثمار كالفوسفات والبوتاس وغيرها، لذا لا يجوز تقبل فكرة عدم توظيف أي شاب من الطفيلة.وطبعا سياسيا تم نفس الخطأ بفوز نواب من سكان عمان لتبقى المحافظة في غياهب البطالة والإهمال.
بعيدا عن تحليل أبعاد الحراك الأردني فان اللافت بالخارطة التي تتسع منذ كانون اول 2010 فان مدن التوتر التي يستمر بها الحراك هي التي يكثر وجود أبناءها في الأجهزة الأمنية من الجيش االى المخابرات والاستخبارات وحتى الأمن العام.
فاليوم يغلي الشارع الأردني في الطفيلة المدينة وحيهم في جبل الجوفة بالعاصمة عمان، وكذلك مدن الكرك ومعان ودخلت السلط واربد وجرش بقوة، وبعد 15 عشر شهر بدا الحراك يجد نفسه بلا نتائج لا على مستوى الإصلاح ولا محاربة الفساد، وما يزيد إحباط الحراك الأردني سكون مدن الزخم السكاني الزرقاء وعمان، وعليه فانه لجا في الأشهر الأخيرة إلى رفع شعارات المعارضة والتي يوجهه للملك شخصيا بعد أن كان النقد مقتصرا، على رؤساء الحكومات، وهذا ليس شيئا جديد في الأردن فقد كانت اغلب انقلابات نصف القرن الثانية العسكرية تستهدف الملك حسين وليس الحكومات، ولكن هذه المرة التحرك بزخم شعبي، وأمام هذا تقف الأجهزة الأمنية في لحظة الصعبة هل تصمت وقد ينفلت الأمر عن السيطرة أن تبدى بمحاسبة رؤوس المسيرات ومطلقي الشعارات الحمراء التي بدأت تضايق باقي الشعب أكثر من النظام نفسه، لان ما يسمى بالأغلبية الصامتة يقفون على الحياد وينتظرون إصلاحا يخرج من النظام.
في الحالة الخطيرة أردنيا أن نفس المناطق تعيش الصراعين الدولة والمعارضة فكما أشرت أن قيادات الجيش والأجهزة الأمنية من جنوب الأردن وبؤر الحراك والمعارضة من نفس المناطق، وهذا يصنع حساسية كبيرة جدا، تؤدي إلى نتيجتين مخيفتين أولهما أن يصبح اصطدام بين العشائر المستفيدة من النظام أو داخل كل عشيرة، وبين قوى المعارضة من نفس المحافظات والعشائر، فإذا كان الحراك الشعبي الأردني مطلبه تحسين أوضاعه الاقتصادية، ومحاربة الفساد الذي استنزف الدولة، فهناك في نفس العشائر أقطاب نفس النظام ففي الأردن لا تتوزع القيادات على أقارب الملك، كما السعودية أو سوريا ولا تحصر الوظائف العليا بأقارب الحاكم رأس النظام هاشمي ولكن النظام نفسه بقواته وإدارته وديوانه وحكومته هو عشائر الأردن ، وإذا كانت المعارضة أيضا من مناطق الشرق فان التخوف اليوم من انتقال هذا إما إلى صدام داخلي عنيف من مستفيد من النظام وغير مستفيد .
الباقي فهم متفرجون غير معتنين بالعملية الإصلاحية أو قوة النظام، ويهمهم فقط حصد المكتسبات، كتخفيف الضرائب وعدم رفع الأسعار، فيما هناك قوى سياسية وحزبية تتحرك بمشروع سياسي إصلاحي لكنه منضبط من الشعار وتظهر أحزاب قوية كالإخوان تتمنى حصول فوضى وصدامات لأنها سوف تحصد المرابح في حالة تشكيل نظام جديد على شكل تونس ومصر.. وكل هذا اليوم يد الملك بصناعة إصلاحات حقيقية وليست على الورق مي ننقذ الأردن من السقوط نحو الهوية الأمر لم يعد سهلا.