تتوفر في محلات ألعاب الأطفال، الكثير من نماذج الألعاب المفيدة ذات الطابع التثقيفي، التي تدرب الصغار على مهارات عديدة، من شأنها تعزيز شخصياتهم ورعاية مواهبهم في حرفة ما. مثلا: هناك عدة تصليح تتكون من مفكات وزراديات وبراغ ومسامير، تتيح للأولاد إمكانية اللعب بمتعة، وكذلك تعمل على تنمية مداركهم ومهاراتهم اليدوية، وثمة لعبة تحتوي على أدوات الطب؛ من جهاز ضغط، وسماعة، ونظارات بلاستيكية، الهدف منها أنسنة صورة الطبيب “البعبع” التي نخيف بها صغارنا، ونهددهم باللجوء إليه إذا لم يحسنوا التصرف. مع ذلك يستمتع العديد من الأطفال، بلعب شخصية الطبيب التي تمدهم بالثقة والإحساس بالسلطة. وما يزال الأولاد مثلاً، يفضلون المسدسات والرشاشات والدبابات المصفحة والأبطال (السوبر) بأجسادهم البشعة الضخمة. بالرغم من أنها تمثل قوى الخير والجمال، التي ينحاز لها الصغار بالفطرة. ويحرص الآباء والأمهات على تقديمها لهم في جميع المناسبات، من باب تأكيد الاختصاص الذكوري بالعنف من حيث المبدأ!
أما في عالم البنات، فإن الصورة مختلفة بعض الشيء، فثمة جنيات طيبات وفراشات وعصافير ودمى رقيقة متناسقة الملامح، لديها بيوت باذخة خلابة، وتمتلك خزائن من ثياب زاهية الألوان، ومساحيق تجميل، ومجوهرات وإكسسوارات عديدة.
العالم ما يزال في ذهن صغيراتنا وردياً، رومانسياً، حافلاً بالرقة، والحب والجمال. وتعتبر شخصيات مثل “باربي وفلة” نماذج شديدة الإيجابية، ومثالاً أعلى تسعى الصغيرات إلى التماهي معها.
ولا يخلو الأمر بالطبع من ألعاب تثقيفية حرفية، فهناك أدوات طبخ متعددة الأغراض، ومكاو، وغسالات، وأفران غاز. تقبل عليها الصغيرات بشدة، فيقضين ساعات من الهناء المحض في لعبة “بيت بيوت”، يقلدن الأمهات في حراكهن البيتي.
تجاوزت هذه الألعاب المبتكرة مرحلة الترف، ولم يعد اقتناؤها موسمياً مقصوراً على الأعياد. بل أصبحت واحدة من احتياجات الطفل المهمة؛ لأن اللعب وسيلة أساسية للتدرب على مهارات الحياة، وهو نشاط إنساني، من شأنه تنمية مخيلة الصغار وتوسيع آفاقهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم؛ كي يصلوا مرحلة النضج، مسلحين بالمعرفة والخبرة، والقدرة على التصرف في مرحلة ما من حياتهم، من دون الحاجة إلى وصاية وإشراف الكبار.
ثمة لعبة عبقرية لم تكن مكلفة على الإطلاق، كانت تلجأ إليها أمهاتنا، حين ينهمكن في إعداد صواني المعمول الهائلة عشية العيد. وكي يرتحن من تدخلاتنا المزعجة وإصرارنا على المشاركة في خطوات إعداد الكعك، يعمدن إلى تخصيص عجينة صغيرة، يعطيننا إياها كي نتلهى بها، فيُرحن رؤوسهن من “النق” المستمر طوال فترة انشغالهن، ليقمن بعملهن من دون إرباكات، قد تؤدي إلى تلف الكعك في نهاية الأمر، فننهمك سعيدات في العجينة الصغيرة الرمزية، مكتفيات بحصتنا الضئيلة التي كانت كفيلة بلهونا عن ساحة الحدث الأساسي، فنطرب لعبارات التشجيع والإطراء التي لم تخل من مداهنة.
أتذكر هذا المشهد الذي ينطوي على خديعة كبرى، رغم صفاء نواياه، وذلك في الثامن من آذار(مارس) من كل عام؛ حيث تكرس منذ ثمانية أعوام بالضبط طقس احتفالي بروتوكولي لا يبتعد كثيرا عن منطق لعبة الكعك إياها، نرجو الخلاص منه قريباً احتراماً لمستوى ذكائنا غير المتدني إلى هذا الحد! حين تعلن المؤسسات الإعلامية، وكبريات الصحف في هذا اليوم، تسمية زميلات كرئيسات تحرير وإداريات شكليات؛ تقتصر مهمتهن على التبسم أمام الكاميرا، والإشادة بالرعاية والدعم الذي توفره المؤسسات لهن، والإدلاء بتصريح موسمي عن مدى الإنجاز والتقدم الذي حققته المرأة في حقل الإعلام، ما يتيح لهن بالنتيجة فرصة الجلوس مرة في العام. مجردات من أي صلاحية على مقاعد رؤساء التحرير، وهي مقاعد تدير الرؤوس من دون شك، لكنها لن تفضي في حالتهن الطارئة هذه إلى أي كعك يذكر!