زاد الاردن الاخباري -
بقلم: أحمد محمد اللوزي
كثيراً منا ما يقع بالخطأ نتيجة عدم إدراكه الذاتي لما هو خطأ وما هو صواب، فواقع الخطأ قد يتستر بثوب الخجل والعار والتأنيب كونه أدرك أنه ارتكب أو وقع بمبادرة الخطأ، وهذا الاعتراف نتيجة إما لتأنيبه أو لاكتشافه بأن ذلك مناف لطبيعة الصواب ضمن المجتمع. فيحاول المخطئ تبرير خطأه ما استطاع ربما بخطأ قد يزيد الخطأ خطاً وتأثيراً سلبياً، كوننا في مجتمعاتنا الاثمية قد اعتدنا أن نترقب مسيرة المخطئ بنظرية قاصرة لمفهوم وتحليل نظرية الخطأ والصواب، هذا لأننا ننسب دائماً الخطأ على أنه نقص وخلل فيزيو- سيكيولوجي للمخطئ، وهذا بدوره جعلنا كبعض نتخذ مواقف حادة جداً لمن وقعوا في الخطأ، فالبعض أسهب في تأنيب المخطئين وألصق صفة العار بالخطيئة كتهمة مستديمة ، وهذا هو صلب الخطأ، فالخطأ في إحدى معانيه قد يكون اعتقاد وإيمان بالصواب من جهة المخطئ، وفي معانيه الأخرى قد يكون انحرافاً غير مقصود عن الصواب, إذا كان مقصود الاجتهاد في الخطأ هو الصواب. . لا أدري لماذا يجب أن نعاقب شخصاً هو من زاوية رؤيتنا مخطئ دون أن يكون له أي بعد عن أي ضرر، وقد يكون هو المصيب رغم اعتقادنا بأنه مخطئ. فالمخطئ هنا يعتقد أنه مصيب وأنك مخطئ كما نعتقده نحن.
إن تعلمنا وحسن إدراكنا لمفهوم الخطأ والصواب على اعتباره طريق لرقي النفس والإحساس سيقودنا بالضرورة إلى ايجابية التعاطي والاستقصاء مع المخطئ مما يساعدنا في تحقيق تعلمه وعدوله عن خطئه، و إن أهمية اقترابنا من المخطئ واطمئنانه لنا لغايات التوجيه والتعلم ما لم ولن يكون بالكره والنفرة منه ومحاربته بقوت يومه أو الابتعاد عنه سيساعدنا حكماً على تقويم منهجية الخطأ وتصحيحه نحو الصواب ، مما يزيد من احتمالية عدم تكراره ولن يزيده التعنت من الطرف الآخر إلا تهوراً في الخطأ واقتحام أخطاء أخرى كونه لم يتلق الطمأنينة اللازمة. ذلك كون الخطأ مربوطاً ارتباطاً وثيقاً بالمكان والزمان وطبيعة المحيطين به. فالخطأ كينوني طالما نحن على قيد الحياة ولا يمكن تجاهل محاسنه في اكتساب الخبرة والتعلم من كون الخطأ هو درجة من درجات المعرفة.
ما سبق قد يكون واضحاً وجلياً في أيديولوجية الأخطاء ، فالخطأ لا يعني الفشل والرسوب والإسقاط، ولا ينبغي أن يكون باعثاً على ترك العمل والتقاعس ، ولا نقابل الخطأ بالاستهزاء والنفور والعقوبة كما أسلفنا، بل يجب الوقوف مع المخطئ ونشد من عزمه ليعاود المحاولة أو النظر في الطريقة التي اتبعها وجدواها، وكونه هو من وقع في ذات الخطأ فهو الأنسب لتصحيحه . فلا يمكن استبدال الخطأ باعتباره ذنب، فالخطأ أرقى من الذنب لأنه قابل للإصلاح والتحول، بينما طبيعة وأيديولوجية الذنب غير قابلة للإنتاج ثنائي المفهوم للعودة إلى طبيعته الأصولية. فقط يخطأ الشخص فيعترف فيصيب، ولكن لا يمكن للمذنب أن يتراجع عن اقتراف الذنب كونه حصل ووقع. فالصواب مربوط بالوقوع بالخطأ والاستفادة منه وليس الذنب. وليس عيباً أن نقول أخطأنا ونعترف بأخطائنا ، إنما الخلل في أن ننظر لهذا الأمر بأنه قاع الرذيلة أو الفشل ، وينبغي لنا عدم التركيز على الخطأ ذاته بل ننظر إليه على أنه أمر طبيعي الحدوث وشيء وقع لا تحكم لنا به الآن ، ونركز اهتمامنا في كيفية التعلم من أخطائنا والاستفادة منها لا التمادي فيها والإمعان ، وتجنب سبل الوقوع فيها مرة أخرى . وأقف دوماً مع نظرية الخطأ الإنساني بأن هذا لا يعني إن كل خطأ يفضي حتما إلى الصواب فاستجابتنا للخطأ تتوقف على ذكائنا وخبرتنا والحالة النفسية والاجتماعية، وهذه العوامل تتفاوت بين الأشخاص بحسب طبيعتها، لهذا نرى أشخاصاً تكرر أخطائها وأشخاصاً لا تكرر أخطائها بسبب التفاوت في ظروفهم وقدراتهم العقلية ونتيجة لاستجابتها لمفهوم العودة عن الخطأ. ويبقى الاعتراف بالخطأ هو عنوانُ البراءة. وليس هناك خطأٌ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأِ ذاتهِ، كونُ الخطأ هو طريق إدراك الصواب. وإدراك الخطأ هو نقلة نوعية في تحسين المستوى السلوكي للفرد ليمكنه من الاكتشاف والاكتساب. وقد لا نكون مخطئين ولكننا سنحاسب كوننا معهم. فقابلية الافتراض لا يمكن لها أن تكون حقيقية ما لم تقبل إمكانية أن تكون مخطئة. فالخطأ هو قصدٌ لم يبلغ الحقيقة.
بالنهاية، إن الخطأ بذاته مفهومٌ نسبيٌ... فما له أن يكون صواباً عند أحدهم, يمكن أن يكون خطأً عند الآخر. وأنا بدوري لا أدعو إلى التسامح عن الخطأ بل تصويبه للصواب وعدم إدخاله في بوتقة الذنب فالمذنب يجب أن يعاقب لأن من أمن العقوبة أساء الأدب..